سألني صديق عن فصل (اسق العطاش)، وسألني آخر عن آثار القباني، وهاأنذا أجيب على السؤالين.
اسق العطاش: نوع خاص من أنواع الموشحات العربية القديمة المجهولة المتوارثة اختصت بحفظه مدينة حلب وحدها دون سواها من المدن العربية. ولهذا النوع من الأثر طابع خاص عرف به في النظم واللحن والإنشاد طغت عليه النزعة الصوفية. فأنت إذ تصاقح أذناك هذا النوع من الموشحات الأخاذة الساحرة وتصغي بكل حواسك وجوارحك إليه تخال نفسك كأنك قابع في زاوية من زوايا السادة الصوفية تضوعت في جنباتها روائح الند والمسك والطيب فتذهل عن الدنيا لشدة ما يعتريك من الخشوع والطرب والورع تأثراً بهذه الأنغام الرائعة والمعاني الممتعة فيأخذك العجب مما جادت به قرائح الأجداد الفياضة التي إن دلت على شئ فإنما تدل على ما كانوا عليه من شغف بالفن وانكباب مجهود في إحيائه والنهوض به. . .
والفصل برمته مأخوذ عن كتاب خطي قديم عنوانه (سلافة الألحان) يقع في مائة وخمسين صفحة على الجملة، قد دون بخط جامعه السيد (محمد الوراق) الحلبي المنبت وكان رحمه الله من الملمين بهذا الفن البارزين. وله في حلب عدة تلاميذ لا يزالون حتى الآن يحفظون له هذه اليد.
وكان منشداً في التكية الهلالية قد انقطع للنسك فيها والعبادة والتصوف، وقد تيمه الحب وهاجه الوجد والغرام في هذه الطرق، فجمع هذا الفاصل الأثري وعني بتعلمه وتعليمه فكان له ما أراد من فضل في نشره وإحيائه. . .
ولقد اختلف الرواة في منبع هذه الموشحات، فمنهم من نسبها إلى مصر وذهب إلى أن مياه النيل في عام من الأعوام قديماً قد نقصت وضنت السماء على سكان الوادي الخصيب بالمطر فما جادت عام مئذ بقطرة واحدة، ففزع أهل القطر إلى العراء يستمطرون الرحمة والغوث من لدن رافع السماء وباسط الأرضيين، جاء في مطلع أدعيتهم: