لقيت الخطابة عناية فائقة من أدباء الحجاز في العهد الأخير، فسلكت طريقها إلى النهوض ووجدت في المجتمعات والأندية تشجيعا دفع بها إلى الأمام ولكنها مع ذلك لا تزال عند الحجازيين متأخرة عن الكتابة لأنها لا تروج إلا في الرجّات العنيفة التي تساق إليها الشعوب ولا تنمو إلا في ظل الخلافات المذهبية والسياسية، والحجاز - كما يعلم الناس جميعاً - آمن هادئ لا تتوزعه القلاقل ولا تثور به الخلافات، ثم إنه بعيد عن التحزب والحزبية ولا يعرف معنى المنافرات والمذاهب السياسية وهي تؤجج نيران الخطابة وتبعث فيها القوة والحياة.
ولعل الذي بعثفي الخطابة الحجازية بعض الحياة في العهد الأخير إنما هو نشاط الشبان ومساعدة أولى الأمر من الساسة وقادة الفكر؛ فهم يهتمون بالأندية الأدبية التي تقام في المدن الكبيرة ويولونها من عطفهم وعنايتهم ويمهدون لها السبيل لأداء مهمتها على الوجه الأكمل، فسمو الأمير فيصل والشيخ محمد سرور الصبان وغيرهما لهم أياد محمودة في تشجيع القائمين بها، فهم يشعرونهم دائماً بالعطف والتكريم؛ ولهذا نرى هذه النوادي جادة ناشطة، ونرى القائمين بها يحددون يوماً من أيام الأسبوع يجتمعون فيه حيث يستمعون إلى خطبة جيدة أو محاضرة قيمة حتى إذا ما انتهى القائل علقوا على كلامه بالنقد أو الإعجاب.
وليس في الحجاز من ألوان الخطابة غير خطب المحافل والخطب الدينية، ولعل أولهما أرقى من الثانية؛ إذ تقال في مناسبات التكريم وفي المحافل التي تكثر في الحجاز في موسم الحج وفي المدارس في المناسبات الكثيرة.
والخطب الدينية في الحجاز أقل من خطب المحافل؛ فلا تكاد تعدو خطب المساجد. ويظهر أن الحالة الدينية هناك لا تدعو إلى هذا اللون من الخطب: فالناس هناك منصرفون إلى العبادة، بعيدون عن الانغماس في الشهوات، وإنما يلقى هذا النوع من الخطابة رواجاً في