لقد بحثنا في الفصلين السابقين عن المادة والحياة، وأتينا على ذكر النظريات والنتائج التي وصل إليها الفلاسفة على اختلاف آرائهم، وتعدد مذاهبهم. ولا يسعنا الآن إلا أن نقول: إن نتائج تلك الأبحاث والبراهين والاعتراضات التي أثارها الفلاسفة للوصول إلى كنه المادة وحقيقة الحياة، لم توصل العقل البشري إلى نتيجة حاسمة، بل لا تزال الصعوبات قائمة. ولكننا نظن، أن الله سبحانه وتعالى سوف لا يعدم البشرية من نور مفاجئ يرسله إلى عقل بعض الفلاسفة الجادِّين في الوصول إلى الحقيقة النيرة في هذه الأبحاث؛ فيكشف اللثام عن تلك المسائل التي لم تتعدَّ حيز الفرض والاعتراض، ويأخذ بيد العقل البشري إلى شاطئ السلامة، فيخرجه من الظلمات إلى النور. وهانحن مقدمون على البحث في الروح فنقول:
إن البحث في الروح لم يكن نصيبه أكثر من نصيب البحث في الحياة؛ فخلاصته ما شغل عقول الفلاسفة من معرفة حقيقة الروح وماهيتها هو إقرارهم - إقراراً ضمنياً - يعجز العقل البشري عن سبر غورها، وقرع باب حقيقتها. فإن الروح هي من أمر الله، فكيف يتأتى لعقل قاصر إدراك ماهية أمر الله تعالى - وهو لم يستطع إدراك الأشياء البسيطة بالنسبة إلى الروح مثل المادة والحياة
وسنأتي الآن على ذكر النظريات التي وضعها العلماء والفلاسفة الذين عالجوا البحث في الروح وطمحوا في الوصول إلى حل نهائي معقول؛ ولكنهم - ويا للأسف - لم يصيبوا غرضهم المقصود. فالبحث في الروح إما أن يكون عن طريق الرأي العام والحس السليم الذي يقرر أن الروح والجسد مختلفان في طبيعتهما: ويضع الروح فوق الجسد أي إنه