وإذا كانت حركة الرابطة الوطنية بقيت قوية عنيفة في أوروبا طوال القرن التاسع عشر كما قدمنا، فإن هذه الحركة قد اقترنت بها حركة رابطة الجنس، ولم تتعارض الحركتان. فإن الوطن الفرنسي والوطن الإيطالي والوطن الأسباني، وغير هذه من الأوطان اللاتينية ترعرعت واشتدت ولم تتعارض مع الجامعة اللاتينية؛ على أن اتفاق رابطة الوطن مع رابطة الجنس يظهر رائعاً أخاذاً إذا انتقلنا إلى الشعوب الجرمانية؛ فكل شعب له وطنه؛
[٢ - النهضات القومية العامة في أوربا وفي الشرق]
للدكتور عبد الرزاق السنهوري
عميد كلية الحقوق ببغداد
وإذا كانت حركة الرابطة الوطنية بقيت قوية عنيفة في أوروبا طوال القرن التاسع عشر كما قدمنا، فإن هذه الحركة قد اقترنت بها حركة رابطة الجنس، ولم تتعارض الحركتان. فإن الوطن الفرنسي والوطن الإيطالي والوطن الأسباني، وغير هذه من الأوطان اللاتينية ترعرعت واشتدت ولم تتعارض مع الجامعة اللاتينية؛ على أن اتفاق رابطة الوطن مع رابطة الجنس يظهر رائعاً أخاذاً إذا انتقلنا إلى الشعوب الجرمانية؛ فكل شعب له وطنه؛ وكثيراً ما حاربت بروسيا في الماضي دولاً أخرى جرمانية؛ وكثيراً ما حاربت النمسا وانتصرت عليها، ومع كل ذلك فإن الشعوب الجرمانية لا ينسيها الإغراق في وطنيتها أنها تنتسب جميعاً إلى جنس واحد، وأن دماً واحداً يجري في عروق الجميع
على أن ائتلاف رابطة الوطن مع رابطة الجنس يختلف قوة وضعفاً. فالرابطتان أضعف ما تكونان ائتلافاً إذا كانت رابطة الوطن قوية متماسكة، تستطيع القيام على رجليها دون حاجة إلى معين؛ والمثل لذلك الوطن الفرنسي والوطن الإيطالي، والرابطتان أقوى ما تكونان ائتلافاً إذا ضعف وطن، فيستمسك بوطن آخر قوي من جنسه، كما هو الحال بين النمسا وألمانيا، وكذلك إذا كان كل وطن ضعيفاً بذاته قوياً باجتماعه مع الأوطان الأخرى من جنسه، كما هو الحال بين الأقطار العربية؛ وأخيراً إذا اندمجت جنسيات متعددة في إمبراطورية واحدة، ثم أخذت هذه الإمبراطورية المصطنعة في الانحلال، فإن حركة الجنسيات تقوى في هذه الحالة، وتتمخض عن حركات استقلالية، كما وقع هذا الأمر للإمبراطورية النمسوية وللإمبراطورية العثمانية
وقد آن لنا أن ننتقل إلى المرحلة الثالثة في النهضات القومية الأوربية، وهي المرحلة الحاضرة، وقد بدأت منذ فجر القرن العشرين، وبنوع خاص بعد الحرب الكبرى
٣ - الوقت الحاضر: رابطة الوطن والجنس ورابطة الطبقات
نشهد في الوقت الحاضر في أوروبا صراعاً عنيفاً ما بين رابطتين، وكفاحاً مستعراً ما بين