شخصية أضفي عليها مصيرها المحزن كثيراً من الخيالات. فمن معجب يدافع عنها ويضيف إلى محاسنها، ومن ناقم يحقرها ويزيد في مثالبها. وقد أختلف مؤرخوه حتى في اسمه؛ فقال بعضهم: هو أحمد، وقيل كنيته اسمه، وهي أبو الفتوح، وذكر ابن أبي أصيبعة أن اسمه عمر، وارتضى ابن خلكان أن اسمه يحيى ابن حبش الملقب بالمؤيد بالملكوت.
ولد في سهرورد، وهي بليدة في العراق المجمي، حول سنة ٥٤٩، ودرس الفلسفة وأصول الفقه على الشيخ مجد الدين الجيلي بمدينة المرافة، من أعمال أذربيجان، حتى برع فيهما. ومجد الدين الجيلي هذا هو شيخ فخر الدين الرازي، عليه تخرج وبعلمه انتفع، وكان بارعاً في فنونه. وقد دارت بين تلميذيه: الفخر والشهاب مباحثات كثيرة. ودرس السهروردي إلى جانب الفلسفة علم الكلام والمنطق. ويقال إنه كان يعاني السيمياء وأبواب النيرنجيات، وهي أشياء تشبه السحر لا حقيقة لها، وأوردوا له في ذلك قصصاً.
والظاهر أنه كان على درجة عالية من الذكاء وفصاحة العبارة والمقدرة الجدلية؛ كان الشيخ فخر الدين المارديني يقول عنه: ما أذكى هذا الشاب وأفصحه! لم أجد أحداً مثله في زماني إلا أني أخشى عليه لكثرة تهوره واستهتاره وقلة تحفظه أن يكون ذلك لتلفه. ويبدو أن نظرة المارديني إليه كانت صادقة؛ فأن اندفاعه في إعلان آرائه كان سبب رداه، فقد مضى إلى حلب، وأعلن آراءه بها وكان ذلك سنة ٥٧٥، واستمال خلقاً كثيراً تبعوه. ولست ادري إن كان أتباعهم إياه أتباعاً لآرائه الفلسفية، أو أتباعاً لسيميائه ونيرنجياته إذا صح علمه بهما. واتصل بالظاهر غازي بن صلاح الدين. وهنا يختلف المؤرخون؛ فمن قائل: إنه عندما اتصل بالظاهر أعجبه كلامه، ومال إليه، وأحضر أكابر المدرسين والفقهاء والمتكلمين، ليسمع ما يجري بينهم وبينه من المباحث، فناظره العلماء، فظهر عليهم بعبارته، فحسن موقعه عند الظاهر وقربه، فازداد تشنيع العلماء عليه، وكتبوا محاضرة بكفره وأرسلوها إلى دمشق إلى صلاح الدين، وقالوا: إن بقي هذا فانه يفسد الملك الظاهر، وكذلك إن أطلق، فانه يفسد أي ناحية كان بها من البلاد، وزادوا عليه أشياء كثيرة من ذلك. فبعث صلاح الدين