أما آن للتاريخ أن ينصف هذا المصري الفلاح، وأن يحدد له
مكانه بين قواد حركتنا القومية؟
ظل عرابي في مرحلته الأولى في الجندية ساخطاً على الأتراك في الجيش والجركس لا يفتر سخطه ولا ينقطع عليهم شغبه، يكيدون له ويكيد لهم. وإنا لنلمس في هذا سبباً قويّاً من أسباب زعامته للحركة العسكرية فيما بعد، فلسوف يلتقي في دار هذا المتبرم الساخط رؤوس الساخطين الحانقين من رجال الجندية يوم يزمعون أن يشتكوا إلى الحكومة في أوائل عهد توفيق مما يلحق بهم من سياسة وزير الجهادية الجركسي عثمان رفقي
ويشير عرابي في مذكراته إلى حسن صلته بسعيد باشا حتى لقد أهدى إليه هذا الوالي كما يذكر تاريخ نابليون؛ ولقد قرأ عرابي هذا التاريخ، ولست أستطيع أن أتبين على وجه التحقيق ما تركه مثل هذا الموضوع من أثر في نفسه، فلم يعلق هو على ذلك إلا بقوله:(ولما طالعت ذلك الكتاب شعرت بحاجة بلادنا إلى حكومة شورية دستورية، فكان ذلك سبباً لمطالعتي كثيراً من التواريخ العربية). ولست أدري كيف توحي قراءة تاريخ نابليون بحاجة مصر إلى حكومة شورية دستورية؟ على أن قراءة سيرة هذا الجندي المغامر الفذ الذي وصل بجده إلى قمة المجد الحربي وبلغ أوج الشهرة والجاه توحي إلى كل من يقرؤها معاني الإقدام والبطولة، وتملأ النفوس تطلعاً وحماسة. وعلى هذا فلا يصعب أن نتصور ما عسى أن تلقيه تلك السيرة من المعاني في نفس كنفس عرابي الجندي المتطلع المتوثب
ويشير عرابي في كتابه إلى أن سعيداً كان يميل إلى المصريين في الجيش والى رفع ما يلحق بهم من غبن أمام الجركس، كما يشير إلى إنه كانت لسعيد نزعة وطنية تجلت في خطبة أثبتها عرابي في كتابه وكان قد سمعها في الحفلة التي ألقيت فيها، يقول عرابي: (فلما انتهت الخطبة خرج المدعوون من الأمراء والعظماء غاضبين حانقين مدهوشين مما سمعوا؛ وأما المصريون فخرجوا ووجوههم تتهلل فرحاً واستبشاراً. وأما أنا فاعتبرت هذه