ولقد زار بغداد في القرن الثامن الهجري الرحالة ابن بطوطة ووصف ما كانت عليه في وقته فذكر الجسرين ومرور الناس عليهما في نزهة متصلة، وذكر عدة مساجدها التي يخطب فيها وتقام فيها الجمعة، وعدتها أحد عشر مسجداً. أما المساجد الأخرى فكانت كثيرة. ووصف حماماتها المطلوة بالقار فيخيل إلى الناظر أنها مرصوفة بالرخام الأسود. وذكر جانبي بغداد الشرقي والغربي، وقبور الخلفاء العباسيين بالرصافة وعلى كل قبر منها اسم صاحبه
وزارها قبل سقوطها في يد التتار الرحالة المشهور ابن جبير الأندلسي، إلا أنه رآها على أسوأ حال وأقبح مصير، وكانت لا تزال كما يقول بنص عبارته:(حضرة الخلافة العباسية، ومثابة الدعوة الأمامية القرشية). فرآها (كالطلل الدارس، أو تمثال الخيال الشاخص، فلا حسن فيها يستوقف البصر، إلا دجلتها التي هي بين شرقيها وغربيها كالمرآة المجلوة بين صفحتين، أو العقد المنتظم بين لبتين)
وفي القوت الذي كانت تزدهر فيه بغداد بحضارة عربية واسعة، وثقافة إسلامية كبيرة، كانت تزدهر حاضرة إسلامية أخرى بألوان من الحضارات، وتتجه إليها الأنظار من كل صوب، ويفد إليها الشعراء والأدباء والعلماء حتى لتكاد تنافس بغداد في المحل، وتزاحمها في الموضع والقدر. . . تلك الحاضرة هي (القاهرة)
والقاهرة مدينة الفواطم، وضع أساسها جوهر الصقلي قائد المعز لدين الله في ١٧ شعبان سنة ٣٥٨ هـ. بعد أن تم استيلاؤه على الفسطاط. وكان في القاهرة في ذلك الحين طريق عام يختط وسطها من باب زويلة جنوباً. وبنى حولها السور المشهور. وكانت تقع المقس إلى الغرب وتمتد إلى النيل، وظلت ميناء القاهرة إلى أن تحول مجرى النهر في القرنين الثالث عشر والرابع عشر، فانتقلت إلى بولاق
ومن القاهرة أخذت الدعوة الفاطمية تزداد وتكثر وتتخذ مدى واسعاً. وسُكت النقود باسم الخليفة الفاطمي، ونقش عليها (باسم مولاي المعز). وفي مسجد عمرو دعي للمذهب