يقول (مدرس أدب في الأزهر الشريف) في مطلع كتاب منه: (ما تزال دولة الشعر بخير، فقد هزتني قصيدة الشاعر علي محمود طه في أبطال الفلوجة التي نشرتها الأهرام في عدد يوم الخميس ١٠ من مارس، ولا ريب عندي في أنك قد قرأتها، وأنها قد هزتك كما هزتني، وأن مثلها جدير بأن يحظى بإحدى تعقيباتك في الرسالة، سجل الأدب العالي وديوان الفن الرفيع. وإنما حملني على أن أوجه إليك هذه الكلمة، حرصي على أن أسجل إعجابي بهذه القصيدة، وقد مضى لي أن غمزت (أنشودة فلسطين) لصاحبها أيضاً في الرسالة الغراء، حتى لا أكون مثل كاتب الشمال: لا يحصي غير السيئات).
ويقارن الأستاذ (مدرس أدب في الأزهر الشريف) بعد ذلك بين هذه القصيدة وبين قصيدة أخرى لشاعر آخر في نفس الغرض، وفي نفس الجريدة وقد اصطنع أسلوباً لبقاً في استدراجي إلى هذه المقارنة، وكأني به يؤلبني على الشاعر الثاني، إذ يقول في نهاية المقارنة:(أرأيت - يا عباس - كيف يطغي بعض الشعر، فيبدو شيطاناً مريدا، وكيف يتواضع بعض الشعر، فيبدو ملكا كريماً؟!! إني أترك لك الباقي) وهو يقصد بالذي يبدو شيطاناً مريدا، شعر أبي طه. . . كما يعبر في رسالته، وما أخال الشاعر الآخر يسر بأن شعره ملك كريم في هذا المقام! ويظهر أن الشيطان أليق بالشعر من الملك!!
أما الباقي الذي يقول إنه يتركه لي، فهو على غير ما كان يتوقع، فلست أرى داعياً لهذه المقارنة، فلكل شاعر طاقته ومذهبه وأفقه.
أما قصيدة (أبي طه) فقد رآها القراء في الأسبوع الماضي كاملة بالرسالة بعد أن أضاف إليها الشاعر ما استلهمه من مشاهدة أبطال الفلوجة يهرع الشعب إلى الاحتفاء بهم وينثر الغيد طاقات الزهر فوق رؤوسهم، ولابد أنها هزتهم كما هزتني وكما هزت الأستاذ الأزهري، وحقاً ما قال في رسالته: (وإذا صح أن في الشعر مواضع للسجود، فإن من هذه المواطن في الصميم:
جن الحديد بأرضها وسمائها ... فجرى وطار، تصيبه ويصيبها