للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من أدب الرومان:]

مذهب الصداقة

عند شيشرون

للأستاذ منصور جاب الله

في أعقاب غزو قيصر لبريطانيا، ضرب الدهر رجلا من أنبل رجالات روما في ابنته الواحدة، فعقد الحزن سحابة في بيته، وجاشت أفكار الرجل محلقة في سماء تسمو على هذه الأرض المليئة بالرزايا المشحونة بكل ما هو موجع أليم.

ذلكم هو شيشرون خطيب روما الأعظم الذي مات في نهايات عام ٤٣ قبل الميلاد، وكانت حياته حجة للعالمين على إدراك جمال الصداقة وما توحي به من السعادة الدنيوية، فلقد كتب شيشرون أجمل وأوقع وأبلغ ما كتب عن الصداقة على وجه الزمان، وإذ قضت ابنته كانت سنة تتّزّيد على الستين وكان قد شهد جميع المنافسات والمنازعات السياسية، وتذوق لذاذات الحياة جميعاً.

وكان يعرف قيمة المال والثراء والصيت الذائع ولكنه لم يجعل لها الكفة الراجحة في ميزانه، وكانت الفلسفة التي استمدها من تجاريب حياته إبان المحنة تحتبس في هذه العبارة: (ضع الصداقة فوق كل الاعتبارات الإنسانية).

وعلى هذه الفقرة تفرعت كل كتاباته، فوصف فضائل الصداقة ومنافعها وحاجة كل إنسان إليها، والأسباب المؤدية إلى فقدانها. ولقن ذلك الأديب الروماني (جايوس ليليوس).

ولكن ليس من ريب في أن الفلسفة النبيلة الأصلية عن الصداقة إنما من بنات أفكار شيشرون

يتساءل شيشرون عمن يمكن أن يكونوا صدقاناً وأخلاء. ثم يجيب بأن الصداقة تكون بين الطيبين الأبرار. فإذا أنت استطعت أن تقنع نفسك بأن لك صديقاً، فأنت قد تحسب نفسك رجلا طيباً أو امرأة طيبة، وليست الصداقة لهؤلاء الذين ليسوا (طيبين)

ولكن من هم الطيبون البررة؟

هنالك مقياس اجتماعي يقيس به شيشرون مقدار (الطيبة) إذ يقول (هؤلاء الذين يعملون

<<  <  ج:
ص:  >  >>