اقرأ وربك الأكرم. الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم
للدكتور عبد الوهاب عزام
أنا معجب بالرافعي منذ قرأت له. وأحذر أن يغطي الإعجاب على بصري، وتكل عين الرضا عن العيوب، وقد اتهمت نفسي، ولتكافئ التهمة الإعجاب، ويعادل الحب الارتياب.
الرافعي نسيج وحده؛ تقرأ له فتشعر أنك في اختراعه وتصويره، وبيانه وتفكيره، لا يذكرك بأحد، ولا يذكرك به أحد. وحسب الكاتب أن يكون كوناً مستقلاً يستملي الضمير، ويبدع في التصوير، وكثير من الكتاب قوالب تختلف أحجامها وأشكالها ولكنها صور مستعارة لا تفتأ تستعير مادة عملها.
بين شعراء الفرس شاعر تسمى (خلاق المعاني)؛ والرافعي في وحي القلم جدير بهذا اللقب. وما اعسر الخلق هنا وما اصعب الإبداع. يعمد إلى الحدث الصغير ذي المعنى المحدود فيحطم حدوده ويصله بالبشرية كلها، أو يشيعه في العالم كله، ويصوره صوراً تلقى القارئ بجدتها وروعتها: والكاتب الملهم يرى الخليقة أسباباً متصلة، ومعاني متجاوبة، وصوراً متجاذبة، فما يبصر ذرة إلا رأى وراءها الفلك، ولا يمسك شعاعاً إلا جذبه إلى الشمس، وكأن كل شيء في الوجود عين تطل على العالم غير المحدود. تنثال عليه الفكر وتتزاحم أمامه الصور، فيكون همه أن يشق طريقه بين المعاني المتزاحمة ويحد سبيله بين الطرق المتشعبة، وان يطرد المعاني التي لا يريدها عن المعاني التي يقصدها. فهو من الخصب في نصب - نصب الكاتب المقلد من الأجداب والأجيال.
العالم أمام الرافعي كتاب مفتوح، يدرك فيه جمال الحروف، وحسن السطور، ثم ينفذ إلى ما لا ينتهي من المعاني. وما يزال يعرض المعنى الواحد في صور رائعة حتى يدع القارئ معجباً حيران، قد اجتمعت على القراءة خفقات قلبه، ونظرات عينه، وأسارير وجهه. فلو أن الرافعي صور هذه الخفقات وبين هذه النظرات والقسمات لاسترد البيان الذي أفاضه