أما آن للتاريخ أن ينصف هذا المصري الفلاح وأن يحدد له
مكانه بين قواد حركتنا القومية؟
للأستاذ محمود الخفيف
حل البارودي محل الشريف وفي البلاد ما فيها من أثر تلك المذكرة التي جاءت في تلك الظروف التي بينا دليلاً على سوء تدبير واضعيها وعلى قصر نظرهم ورعونتهم. ولكن ما لنا نشير إلى قصر نظر الدولتين فيما فعلتا ونحن لا يتداخلنا شك في أنهما كانتا تريان عاقبة فعلتهما، وأنهما إنما أرادتا إثارة الخواطر وزيادة أسباب الخلاف بين الخديو وزعماء البلاد المدنيين منهم والعسكريين، فبهذا يتيسر لهما الوصول إلى الغرض المرسوم
وكان طبيعياً أن يسير البارودي على نهج غي الذي سار عليه شريف، فهو بحكم مركزه بين الزعماء العسكريين وبحكم الظروف التي أدت إلى استقالة شريف، لم يكن أن يحمل نفسه على الهوادة والملاينة، وإلا ففيم كان إحراج شريف ثم إخراجه من الحكم؟
ومن ذلك يتبين لنا أن السياسة التي جرى عليها البارودي في وزارته لم يكن له منتدح عنها، وأن مردها في الواقع إلى مسلك الدولتين وعلى ذلك فمن الظلم أن نرجع باللوم كله على تلك الوزارة فيما ارتكبت من أخطاء، فإن جانباً كبيراً من اللوم بل لعل اللوم كله يقع على الذين دفعوا الوزارة بقبح تدبيرهم وسوء نيتهم في تلك الطريق التي ما لبثت أن رأت نفسها فيه تخرج من أزمة لتدخل في أزمة غيرها
وهكذا تدفع الدولتان البلاد في طريق العنف والثورة ثم تتهمانها مع ذلك بالفوضى وتجعلان من مبررات تدخلهما القضاء على الفتن والقلاقل الداخلية وإنها لمن صنعهما؛ ولن يكون في صور الظلم أبلغ وأوجع من أن يضرب مضعوف على رأسه فإذا نفر من الضرب وتأوه عد نفوره جموحاً واعتبر تأوهه ثورة. . .!
وكان عرابي وزير الجهادية في وزارة البارودي، وأنعم عليه برتبة الباشوية؛ وهو يقول إنه قبلهما هذه المرة كارهاً، فلولا أنه رأى أن المنصب يقتضي قبول الرتبة ما قبلها. وأنا