لا أعرف من هو الأستاذ صلاح الدين المنجد الذي يكتب إلى
(الرسالة) من دمشق، ولا أعرف كيف فاتني التعرف إليه وقد زرت
دمشق أربع مرات وشربت فيها أكواب الرحيق
وهل يهمني من أمره أكثر من العرفان بأنه استجاب لدعوة الوجود فهتف بالحب؟
تلك وثيقة روحية تصل بيني وبينه على بعد ما بين القاهرة ودمشق، فإن كنت لم أره بعيني فقد رأيته بقلبي. وإن أخطأ القلب في وزن مزاياه فلا ندم ولا أسف، لأنه على كل حال قد نشأ في رحاب (جيرون) وإن كان في روحه وقلبه أعظم مما قدرت فما ذلك أول حظ يفوتني في دنياي، فقد فاتني الأنس بملاعب الإسكندرية في هذا الصيف، وفاتني النعيم برؤية اللؤلؤ المنثور فوق مرابع دمياط، وحرمتني المقادير نعمة العتب على (عيون المها وراء السواد)
وماذا يريد هذا الأديب من توجيه القول إليّ وهو يتحدث عن ظلال هواه؟
لعله سمع أن في مصر كاتباً فضحه الحب فلم يُعد يبالي أكاذيب اللائمين، وأقاويل العاذلين، فحدثته النفس بأن يوجه إليه القول، والعاشقون رفاق
هو ذلك، يا رفيقي، ولكن دنيا القاهرة غير دنيا دمشق، ورحم الله الشاعر عبد الحليم المصري إذ يقول:
مصرٌ بنا ضاقت فما حالكم ... في قطركم يا شعراء الشآمْ
فأنت في بلدك يهتف بك الشوق فتتذكر بلواك بالحب ثم لا تجد من يعذلك فتقول: هذا كاتب يمزح في أوقات الجد فيتحدث عن الصبابة والوجد في أيام الحرب
وحالي غير حالك، يا رفيقي، فدنيانا في مصر تخضع لخطوب وصروف خلقها الحقد على البلابل العنادل، ليخلو الجو لنعيب البوم، من أن البوم قد انعدم في مصر منذ أجيال طوال، كما انعدمت الثعالب والذئاب، ولم يبقى في بلدنا ما يلهو به الصائد غير تعقب أسراب الظباء في طريق الهرم أو طريق السويس