ألقت مصر بالها أخيراً إلى الخدمة الاجتماعية، وشرعت تستعينها في الطب لأدواء الأفراد والجماعات، وقد استجدت لهذا الفن في مصر معاهد ودراسات يلاحظ من يراقبها أنها مكبة على إنتاج الغرب في هذه الناحية تنقل منه وتترجم عنه. ولا حرج في هذا لو أنه كان مصحوباً بلفتات جادة غير بعيدة إلى أصول تلك الخدمة في ديننا وفي تاريخنا، حتى تكسب الخدمة الاجتماعية نفسها حياة قوية تمدها بها المبادئ الإسلامية الصريحة، وحتى لا يستقر في ضمير الشباب خطأ أن هذا الفن مستورد أيضاً من الخارج، وحتى نتفادى نتيجة مرجحة هي أن يتنكر لتاريخنا الاجتماعي أو لا يثق به من وقفوا على تفوق الخدمة الاجتماعية الحديثة في الغرب، وجهلوا في الوقت نفسه أو لم يفهموا ما في الإسلام من المبادئ الاجتماعية السامية.
لم يقف الإسلام عند تقرير التوحيد وبث الإيمان وتنقية العقائد وفرض العبادات وسن الأحكام، ولكنه عالج النظم الاجتماعية كلها، فأعلى شأن الكرامة الإنسانية، وأرسى القواعد للحياة البيتية الصالحة، ووصل الأرحام، وبسط يد الحنان للصغير وغمر اليتامى والضعفاء والمرضى بزاخر من الرحمة والرعاية، وسن التأسية والتسلية، وكان بتعاليمه وسير رجاله دعوة دائبة إلى تلمس القوة والجمال للنفس والعقل والبدن على السواء، وأولى الشؤون الاقتصادية عنايته المسددة وتنظيمه الراشد، ودعا إلى كل فضيلة وعادى كل رذيلة.
فعل الإسلام كل هذا بنصوص صريحة يظاهر بعضها بعضاً وتصدقها أفعال الرسول وصحبه، فاستطاع المسلمون الأولون في نور هذه النصوص والأعمال وفي كريم نهجها أن يوفوا على الغاية من النجاح الاجتماعي بقدر ما سمح لهم زمانهم.
لم يتناول التنزيل كل مبادئ الخدمة الاجتماعية بالبيان المفصل ولكن المبادئ التي وردت فيه مجملة لم تقصر عن مدى التفصيل وقد تناولت السنة بأنواعها القولية والفعلية والتقريرية بالشرح والإتمام هذه المبادئ، كما هو الشأن في كثير من أمور الدين ثم كان التطبيق الرائع لتلك المبادئ على أيدي المسلمين في عصور مختلفة، فأصبحت بعض أخلاقهم بل بعض حياتهم، وبدت في تاريخهم وضاءة، لها نورها ولونها المتميز.