نفسها نبيلة، بيد أن موضوعها تافه حقير، هي فراش ذهبي لكنه يطير في الوحل، فراش أعمى لا يدري أين يسير
وشكسبير إذ يصف كل آلامها يحتفظ أيضاً بكل ما هو حلو وجميل فيها
تيتانيا: تعال نجلس فوق هذا الزهر، دعني ألمس وجنتيك الجميلتين وأرشق الورد في رأسك الناعم، وأقبل أذنيك الطويلتين الحلوتين
لقد طمس الحب عيني ملكة الغاب فباتت ترى في صدغي الحمار جمالاً، وتلمس في رأسه نعومة، وتحس في أذنيه حلاوة وطراوة
وينقضي الليل، ويأتي الصباح فيبطل السحر ويزول، وتفيق (تيتانيا) إلى نفسها فتبدو لها ذكريات الأمس (مثل أشياء صغيرة يصعب تمييزها، فكأنها رؤوس جبال نائية يراها الإنسان عن بعد كالسحب الكثيفة قد تجمعت فوق الأفق)
هذه هي القصة، فهل لنا أن نناقشها جدياً مثلما نناقش (هملت) أو (عطيل)؟ هل لنا أن نفرض منطق الحياة على حوادثها وأسلوبها وأشخاصها، أو أن نبحث عن الجمال والانسجام في كيانها وتركيبها؟
لا، فنحن إن فعلنا ذلك بعدنا عن الروح التي يجب أن نتفهمها فيها
هذه القصة لا تصور الحياة بل تمثلها - هي تمثل الناحية الحلوة الناعمة السهلة الهادئة من العيش مثلما تصور قصة (لير) الناحية الأخرى العاصفة، المظلمة، المريرة، الموحشة
على أن الحياة ليست دائماً عاصفة موحشة؛ كما أن القبرة لا تنشد كل يوم ألماً ونحيباً، فهناك في حياة الرجال لحظات يحسون فيها بجسومهم، وأرواحهم، وقد رقت وصفت وارتفعت فأصبحت في صفاء نسمات الخريف تهب عند الأصيل، وفي هذه اللحظات يكفي أن يثلج أفئدتهم ويملأها طرباً وحبوراً أن يشاهدوا زهرة جميلة قد تفتحت أكمامها، وتلألأ على أوراقها ندى الشروق، وأن يحرك مشاعرهم ويملأها عطفاً ورقة وحناناً، مرأى كلب بائس ينبح ألماً ويتضور جوعاً
ذلك لأن في النفس حينذاك لحناً ونشيداً يعزف، فإذا كل ما بالعيش قد أصبح بهياً جميلاً، وإذا كل ما يدب على الأرض قد أمسى طيباً وديعاً كالحمل، ذلك أن بالروح موسيقى تسبغ الدفء والسلام والحب على كل شيء خارج الروح: موسيقى (أحلى من نغم الكروان،