ولقد كان كل عيد من أعيادهم مهرجاناً عظيماً يشترك فيه الصغير والكبير ويتعاون على إقامته الجميع، إذ أن القوم في ذلك العهد كانوا يعشقون التمثيل ويجيدونه بالطبيعة، لأن الروح إذا ما كانت ناضجة ممتلئة فهي لا تميل إلى التعبير عن خواطرها بالأرقام والمنطق، بل تعمد إلى تصويرها فتقصها وتقلدها، تلك هي لغة الأطفال، لغة الفن والخلق والسرور
وفوق كل هؤلاء العشاق والممثلين البسطاء تلهو وترفرف بأجنحتها جماعة الجنّ وبنات الغاب. هم أيضاً يعشقون (فتيتانيا) ملكتهم التي تحب صبياً صغيراً أتت به من بلاد الهند، ويغار زوجها (أوبرُن) منه فيريد أن يبتاع الصبي منها على أنها لن تنيله ما يريد:
تيتانيا: لو اجتمعت الجن كلها لما استطاعت أن تبتاع مني هذا الصبي، كانت أمه من أتباعي ولكم جلسنا جنباً إلى جنب على رمال نبتون الصفراء في الليل الهادئ، تهب علينا نسمات الهند العطرة، نرقب السفن يحملها الفيضان فوق تياره سريعة تتسابق - وكم كنا نضحك عندما نرى الشراع وقد حملت وانتفخت منها البطون، وكانت الريح العابثة هي الزواج أو العاشق المسئول
ويتشاجر (أوبرن) مع زوجته فتهرع الجن خائفة إلى أكمام الزهر تختبئ فيها وتتخذ منها ملجأ يقيها غضب الملك والملكة
ويريد (أوبرن) أن يثأر لنفسه، فيرسل خادمه (بَكْ) يلمس بالزهرة السحرية أجفان زوجه، حتى إذا ما صحت أجمل بنات الغاب وأرشقهن من سباتها وجدت نفسها مدلهة بحب مخلوق عجيب له رأس حمار وجسم رجل، هو (بوتوم) القروي الممثل
وتركع الملكة أمام المريض المسحور، وتضع فوق كتفه المليء بالشعر إكليلا من الزهر النضر، ثم تنادي أتباعها وتخاطبهم:
(ترفقوا بهذا الرجل وأحسنوا مثواه، غنوا له وارقصوا أمامه كلما مشى خطوة، أطعموه المشمش، والعنب، والتين الأخضر والتفاح)
كان لزماً على (تيتانيا) أن تفعل هذا، لأن حبيبها كان ينهق نهيقاً فاحشاً، وكان إذا ما قدمت له الزهور والفاكهة هز رأسه في طلب الهشيم والبرسيم!
أهناك أعذب وأمر من سخرية شكسبير هذه؟ أي هزء بالحب، وأي حدب عليه! العاطفة في