ورضوا في الفخر أن يقولوا (كان آباؤنا) مع أن شاعرهم يقول:
إذا أنت لم تَحْم القديم بحادث ... من المجد لم يَنْفَعْك ما كانَ مِنْ قبل
وناثرهم يقول:(لم يدرك الأول الشرف إلا بالفعل، ولا يدركه الآخر إلا بما أَدرك به الأول)
ورأينا خير ما في الأمم حاضرها وخير ما فينا ماضينا.
أريد بالرجولة صفة جامعة لكل صفات الشرف من اعتداد بالنفس واحترام لها، وشعور عميق بأداء الواجب، مهما كلفه من مصاعب، وحماية لما في ذمته من أسرة وأمة ودين، وبذل الجهد في ترقيتها، والدفاع عنها، والاعتزاز بها، وإباء الضيم لنفسه ولها.
وهي صفة يمكن تحققها مهما اختلفت وظيفة الإنسان في الحياة فالوزير الرجل من عد كرسيه تلكيفاً لا تشريفاً، ورآه وسيلة للخدمة لا وسيلة للجاه، أول ما يفكر فيه قومه، وآخر ما يفكر فيه نفسه، يظل في كرسيه ما ظل محافظاً على حقوق أمته، وأسهل شيء طلاقه يوم يشعر بتقصير في واجبه، أو يوم يرى أن غيره أقوى منه في حمل العبء، وأداء الواجب، يجيد فهم مركزه من أمته ومركز أمته من العالم، فيضع الأمور موضعها ويرفض في إباء أن يكون يوماً ما عوناً للأجنبي عليها، فاذا أريد على ذلك قال:(لا) بملء فيه، فكانت (لا) منه خيراً من ألف (نعم) وكانت (لا) منه وساماً تدل على رجولته - يقتل المسائل بحثاً ودرساً، ويعرف فيها موضع الصواب والخطأ ومقدار النفع والضرر، ثم يقدم في حزم على عمل ما رأى واعتقد لا يعبأ بتصفيق المصفقين، ولا بذم القادحين، إنما يعبأ بشيء واحد هو صوت ضميره، ونداء شعوره.
والعالم الرجل من أدى رسالته لقومه من طريق علمه، يحتقر العناء يناله في سبيل حقيقة يكتشفها أو نظرية يبتكرها، ثم هو أمين على الحق لا يفرح بالجديد لجدته، ولا يكره القديم لقدمه، له صبر على الشك، وغرام بالتفكير وبطء في الجزم، وصبر على الشدائد، وازدراء بالإعلان عن النفس، وتقديس للحقيقة، صادفت هوى الناس أو أثارت سخطهم، جلبت مالا أو أوقعت في فقر، يفضل قول الحق وإن أهين على قول الباطل وإن كرم.
والصانع الرجل من بذل جهده في صناعته، فلم يشأ إلا أن يصل بصناعته إلى أرقى ما وصلت إليه في العالم، عشقها وهام بها حتى بلغ بها ذروتها، يشعر بأنه وطني في صناعته