كوطنية السياسي في سياسته، وأن أمته تخدم من طريق الصناعة كما تخدم من طريق السياسة، وأن الصناعة لا تقل في بناء المجد القومي عن غيرها من شؤون الدولة، فهو لهذا يحسن فنه، وهو لهذا يحسن سلوكه، وهو لهذا يرفض ربحاً كثيراً مع الخداع، ويقنع بربح معتدل مع الصدق، وهو لهذا كله كان رجلاً.
بل الرجولة تكون في المعنويات كما تكون في الماديات، فالرأي العام هو الرأي العام اليقظ، شديد التنبه لما يحيط به من مخاطر، يعرف كيف يدفع عنه الأذى إذا نيل منه، ويصد الشر إذا نزل به، صحيح التقدير لأعمال الرجولة، شديد الاحتقار للنذالة، يظهر إعجابه للمحسن أيا ما كان في أشكال تدعو إلى الإعجاب، ويظهر ازدراءه للمسيء أيا ما كان في أشكال تدعو إلى الإعجاب أيضاً، ولا يكون الرأي العام رجلاً حتى تشيع في أفراد الأمة الرجولة وتكثر فيهم البطولة - وفي الرجولة متسع للجميع، فالزارع في حقله قد يكون رجلاً، والتلميذ في مدرسته قد يكون رجلاً، وكل ذي صناعة في صناعته قد يكون رجلاً، وليس يتطلب ذلك إلا الاعتزاز بالشرف وإباء المذلة.
من لنا ببرنامج دقيق للرجولة كالبرنامج الذي يوضع للتعليم، يبدأ يرعى الطفل في بيته فيعلمه كيف يحافظ على الكلمة تصدر منه كما يحافظ على الصك الذي يوقع عليه، ويعلمه كيف يكون رجلاً في ألعابه، فيعدل بين أقرانه في اللعب كما يحب أن يعدلوا معه، ويلاعبهم بروح الرجولة من حب ومساواة ومرح في صدق وإخلاص.
ويسير مع التلميذ في مدرسته، فيعلمه كيف يحترم نفسه، وكيف لا يفعل الخطأ وإن غفلت عنه أعين الرقباء، ولا يغش في الامتحان ولو تركه المعلم وحده مع كتبه؛ وكيف يعطف على الضعفاء ويبذل لهم ما استطاع من معونة.
ويتمشى مع الطالب في جامعته فيعوده الاعتزاز بنفسه والاعتزاز بجامعته والاعتزاز بأمته. ويبعثه على أن يفكر في غرض شريف له في الحياة يسعى لتحقيقه - حتى إذا ما أتم دراسته كان قاضياً رجلاً أو معلماً رجلاً، أو سياسياً رجلاً، وعلى الجملة إنساناً رجلاً.
ويتابع الأمة فيضع لها الأدب الذي يبعث قوة، والأناشيد والأغاني التي تملأ النفس أملاً. ويراقب في شدة وحزم دور السينما والتمثيل والملاهي، فلا يسمح بما يضعف النفس ويلثم الشرف، ولا يسمح بما يحي الشهوة ويميت العزيمة، ويأخذ على أيدي الساسة والحكام