لا أميل إلى المناسبات التي تنأى بي عن عملي ومألوفي، وكان اختصاصي هو تصحيح النصوص لا المثول بين واحد من أمراء الصناعة.
ولذلك كنت في هذه الساعة ألعن (السيد يعقوب) وطففت أدير له في ذهني بعض العبارات التي كنت أتفنن في صوغها والتي لم أنبس بها حتى النهاية، وقد كنت أحمل هم جسماني الذي لم أكن أعرف ماذا أفعل به، فكنت أحس بعض عضلاتي تتقلص في وضع يضايق باقي العضلات، وكنت أشعر شعوراً غريباً بأن شكلي يؤلف أضحوكة ضخمة، ليس بوجهي فحسب، ولكن أيضاً بصدري، ثم بأعضائي، ثم أخيراً بجسدي كله.
ومن توفيق الجد أن (السيد سورو) لم يلحظني، وكان يقلب في الكراسة التي قدتها إليه، وكان يبدو أنه يعاني غضباً ثقيلاً استطاع أن يكظمه.
وفجأة وضع سبابته على الصفحة، وقال من غير أن يرفع أنفه:
- خط رديء لا يكاد يقرأ، ما هذه الكلمة؟
فتقدمت آلياً أربع خطوات إلى الأمام، وانحنيت، وقرأت في غير حبسة وبصوت جهير، (خير أكثر مما يلزم).
وقد وضعتني حركتي هذه إلى جوار السيد سورو، وفي متناول الذراع اليسرى لمقعده.
هنالك فحسب، لاحظت أذنه اليسرى، وإنيلأصدقك حين أقرر لك أن الأمر لم يعد أن يكون عادياً؛ فهذه الأذن كانت أذن رجل من النوع الدموي قليلاً، أذناً كبيرة بها شعرات، وتخللها بقع بلون النبيذ. ولست أعرف على الحقيقة ماذا حملني على التطلع في اهتمام بالغ إلى هذا الركن من إهاب سورو. ولقد تضخم اهتمامي هذا حتى صار بعد هنيهة أمراً شاقاً. كان هذا الجزء أقرب شيء مني، ولكنه بدا لي أبعد شيء عني وأغرب شيء لي، وأعملت فكري قائلاً في نفسي: ذاك جلد آدمي، وإن من الناس من يعتبرونه شيئاً طبيعياً جداً، وإن منهم من يعتبر لمسه أمراً مألوفاً.
وتتابعت على خاطري صور شتى، ووجدتني عفو الساعة أحرك ذراعي اليمنى قليلاً تتقدمه سبابتي، وأدركت حالاً أن بي نزعة إلى وضع إصبعي على أذن (السيد سورو).
وفي تلك اللحظة زمجر الرجل الضخم، وغير رأسه من وضعه، فعراني لذلك غضب، وعرتني في الوقت نفسه راحة؛ بيد أنه عاد إلى القراءة، فشعرت بذراعي تعاود التحرك