للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أني متوعك.

وأمسك عن الكلام، ثم صرف بصره تلقاء النافذة، وغمز بعينه لأنه انتزع شعرة طويلة من أنفه، ووضع الشعرة على ورقة النشاف، وأضاف وهو يحس رغبة شديدة في العطاس، وهي رغبة جعلت عينيه تمتلآن بالدمع:

- امض يا سلافان؛ أسرع.

ولبلوغ مكتب (السيد سورو)، ولا بد من اجتياز عدة أجنحة من المبنى، وفي الصيف عندما تكون النوافذ مفتحة، وعندما تتثاءب الأبواب متأرجحة أمام النسيم، يلحظ الإنسان أقساماً مختلفة، بعضها فوق بعض، والرجال فيها يعملون.

وفي الردهة المؤدية إلى مكتب (السيد سورو) يقف أحد السعاة في بزته الرسمية وجوربه الأبيض، وقد سألني عن مهمتي، وأدخلني حجرة فسيحة وهو يخافت بقوله: (إنك منتظر).

عرفت توا مكتب (السيد سورو) الذي لم أكن رأيته إلا مرة واحدة، ذلك أن رؤيتي للسيد سورو في المرتين السالفتين كانت في قسمنا.

وقد رأيت أستاراً من القماش الأزرق، ولوحات بلون النبيذ، وطالعني في أحد أركان الغرفة رسم قطاعي للآلة الدارسة (سوك دسورو) والأوسمة التي ظفرت بها في المعارض.

أما هو فقد كان هناك، ولعلك تعرفه، وتعرف أنه لا يزال يحتفظ بجانب من حميا شابه، وأنه فارع القامة، حليق شعر الوجه، وله شارب كأنه الفرجون، وذقن حادة التدبب، وشعر كله تقريباً بلون الرماد، وتحت جبهته منظار دائم الارتعاش لأنه لا يضم غير قطعة صغيرة من الجلد.

ونظر إلى (السيد سورو) طولاً وعرضاً، وقال لي في اختصار.

- أمن قسم التحرير أنت؟ وماذا يفعل السيد يعقوب؟

- إنه متعب.

- آه! هات!

وظللت واقفاً في مواجهة المكتب الكبير الإمبراطوري الطراز، وكنت لا أعرف أيهما أحرى بي أن أضم قدمي وأقف معتدلاً أو أن أتخذ وضع الجندي في حركة الراحة.

ويجب أن أعترف لك أني قطعت العمر في مؤسسة (سوك وسورد) متوحداً منفرداً، وكنت

<<  <  ج:
ص:  >  >>