اللاوجود، ويبتسم له، ويلقي إليه بالملق، رجل ينظر فجأة وبإمعان إلى الطلاء البني على الحائط كأنما يبصر شيئاً عجباً.
ومع هذا ففي ذلك اليوم لم يبتسم (السيد يعقوب) في حديثه، ولم يتملق محدثه. ومنذ الكلمات الأولى كانت تتخايل عليه أمارات القلق، وقد دبت الحمرة إلى وجهه، وما لبث أن رمى ببصره إلى أسفل، متطلعاً إلى المدفأة التي كانت قابعة في ركنها كأنها كلب غاضب.
أما أنا فكنت أبري قلماً، وما بي حاجة إلى أن أقول لك، إني كنت اكسر رصاصة القلم ما بين ثانية وأخرى، وكان يتناهى إلى صوت (السيد يعقوب) وهو يتمتم: (ولكن يا سيدي. . . ولكن يا سيدي) وكنت أقول في نفسي: (لئن لم ينته من تكرار قوله: (ولكن يا سيدي. . .) لألطمنه لطمة يدوي صوتها (بان. .) ولأدفعن برأسه إلى الجدار).
غير أني كثيراً ما أحدث نفسي بأشياء من هذا الطراز ولكني في الحق رجل رزين الحصاة، ولست أستجيب أبداً لشيء مما أحدث به النفس، وإنك لتعلم علم اليقين أني ما كنت لألطمه.
وقد كنت لا أزال أكسر رصاص قلمي، وأوسخ أطراف أصابعي، وكان (السيد يعقوب) يذكرني بهؤلاء الروحانيين الذين يدعون الاتصال بالأشباح، مستدلين بهذا الاتصال على أن للأشباح نوعاً من الوجود، وأثناء الصمت الغالب كان ينبعث أزيز متهدج كأنما يتهادى من نهاية العالم، وكنت أتبين في هذا الأزيز رويداً رويداً جلبة صوت متقطع.
وترك السيد يعقوب الجهاز بغتة، وظل يتحسس حلقة التليفون أكثر من عشر مرات حتى تمكن من وضع السماعة، وكنت بلغت من الغضب غايته، ولكن ذلك ظل خافياً قطعاً وانتهيت إلى صنع طرف جيد لقلمي، ومسحت أصابعي في أسفل بنطلوني حيث لا تظهر علامات الرصاص.
انقلب (السيد يعقوب) إلى صندوقه، وفتح بعض الأضابير، وأمسك ببعض الأوراق، ثم صاح فجأة: - سالافان. . . تعالي لحظة
كنت متوقعاً ذلك، فنهضت مطيعاً، ووجدت السيد يعقوب ينزع شعرات من أنفه، وهذا عنده دليل قوي على القلق، وقال لي:
- دونك هذه الكراسة، فاحملها بنفسك إلى (السيد سورو)، ستلقاه في مكتبة بالإدارة، فأبلغه