ممضة، ولقد وقعت لي منذ ذلك الحين وقائع تنسيني بعض التفاصيل، ولا بد لي أن أسترعي نظرك إلى أني في مدى خمس سنين لم ألق (السيد سورو) غير ثلاث مرات، وهذا قليل. والسبب أن مؤسسة (سوك دسورو) عظيمة الشأن، وليس في إمكان سادتها أن يتصلوا بمستخدميها الألفين الذين يشتغلون لديهم، أما في صدد اختصاص عملي فلم تكن له صلة بالإدارة.
وذات صباح، أخذ التليفون يصيح، ولست أدري أتثيرك النواقيس والأجراس الكهربية والأجهزة الأخرى التي من هذا النوع الجهنمي، فأما أنا فقد وطنت نفسي لها، وإن كان حسبي لإشقاء حياتي أن يوجد جرس كهربي حيث أكون، ولهذا السبب ولا شيء غير هذا السبب أجدني في بعض اللحظات أهنئ نفسي على أن تركت العمل في المكاتب، إن صوت الجرس ليس كالأصوات، وإنما هو مثقاب يخترق الجسم فجأة، ويودي بالأفكار، ويقف كل شيء حتى دقات القلب، وذلك ما لا قبل لإنسان أن يألفه.
هذا جرس التليفون يدق، فكل من في المكتب يرعبه سمعه ولو لم يظهر عليه الاهتمام، ويكف الصياح، وينتظر الجميع، ولست أشد من غيري عصبية، ولكن هذا الانتظار هو الآخر عذاب، فكل يرتقب ليعرف أوراء الصيحة صيحة أخرى، فإذا كانت واحدة فالمطلوب هو (السيد يعقوب)، وإن كانتا اثنتين فهما على (بفلج) السويسري، فأما أنا فكانت تناديني ثلاث صيحات، ومنذ تركت المكتب وهذه الثلاث تنادي (أودن) الذي كان على عهدي يجيب على أربع.
و (أودن) هو الآخر ليس عصبياً، وهو منذ الصيحة الأولى يأخذ في أكل أنامله من غير أن يبدو عليها شيء وقد انتهى به الأمر إلى أن أصيب ب (دوحس) في ظفره.
وفي ذلك اليوم، بعث الجرس رنة واحدة ليس غير، رنة واحدة طويلة مستقيمة مثيرة بقوة تأكيدها.
وبرز (السيد يعقوب) من وراء حاجزه النصيفي، برز من هذا المخبأ الذي يلزمه كما يلزم حصان السباق صندوقه وأمسك (يعقوب) بسماعة التليفون، وكما هي عادته استند إلى الجدار ملصقاً به رأسه الذي خلف شعره بتوالي الأيام بقعة دهنية على الحائط.
ويبدأ الحديث، وأنصت إلى بعضه، وهو دائماً يثير العجب، فثمة رجل طيب يتحدث إلى