للمطلعين المتتبعين، وكان يهون الأمر لو أن هذا المصدر لغابرين مغمورين، لكنه لمعاصرين مشهورين، وكانت أمانة العلم تقتضيه ألا يغفل ذكر كاتب المقدمة الذي كفاه عناء البحث والتنقيب.
وفي هذا المؤلف الصغير ناقض الدكتور الدهان نفسه كثيراً، فمرة يقول في أمر إيجاباً ثم يقول في هذا الأمر سلباً ونفياً، فمن أمثال هذا قوله إن حافظاً لم يتلق ثقافة عميقة واسعة ولا دراسة منظمة ثم يشيد في مكان آخر بوعي حافظ ومعرفته منساقاً مع المعجبين بثقافته، فيقول (ولا يخطئ الدارس حين يرى في مجلس الإمام، مدرسة عالية أو جامعة ثقافية يتخرج فيها الطالب كما يتخرج في الجامعة سواء بسواء. ولا حرج إذا وجدنا في صلة حافظ بهذه الدروس والمجالس صلة الطالب بالجامعة فقد أخذ بها حافظ وعب من منابعها فكان في دار الإمام يتلقى اللغة والحكمة ويقرأ الشرح في المنار ويتمرس بالشعر والوطنية).
ثم يسرد المؤلف أقوال صحب حافظ من أمثال البشري وبركات ومطران والعقاد وطه حسين حتى يملأ صفحات كتابه من هذه الأقوال دون تحليل لها أو تعليل لما جاء فيها. والأصل في الاستشهاد بالدراسات الأدبية أن يستنبط منه الباحث الحكم والدليل، ولكن الدكتور الدهان روى الأقوال ونقلها ليزيد في عدد الصفحات.
ومن التناقض في الحقائق التي سردها المؤلف قوله إن حافظاً أجاد شعره في شبابه ونظم أحسن قصيدة وهو في الرابعة والعشرين؛ ثم ذكر بعد صفحتين (هذا بعض شعره وقد جاوز الخامسة والعشرين طبعه بطابع القدماء وليس فيه إلا تهويل وتزويق، ولا براعة تشع منه ولا اختراع).
ومرة يجد المؤلف مجال القول ذا سعة في الكلام على حافظ من ناحية معينة ومرة لا يتجاوز الصفحتين حيث ينبغي التفصيل والتعليل، وذلك حسب نطاق الاقتباس واختصار الأصل، والظاهر أن المؤلف الفاضل كان في كلتا الحالين من حكمه وكلامه خاضعاً لسياق نفسي واختيار متخطف عابر.
وإن أدب قال فلان وروى عن فلان من غير دليل أو تحليل قد فات أوانه إذ كان من بضاعة المرحلة الفائتة في أدبنا المعاصر.