تقتدي بعض دور النشر في مصر والبلاد العربية بما تصنع أمثالها في الغرب فإن ناشري الكتب يدأبون على إصدار سلاسل شهرية أو أسبوعية تشتمل على كل شائق وطريف يتعلق بالفكر والثقافة، فلما ظهرت سلسلة (اقرأ) ذكرت من فوري سلسلة (لو) الفرنسية، وقد استبشرنا الخير بظهور سلسلتنا العربية وفرحنا بالحلقات الذهبية التي ضمتها إذ شعت نوراً وجمالاً، ثم لم نلبث أن رأينا فيها حلقات من معادن لا يجوز أن تسلك مع الذهب في نظام واحد، فما كان في الدهر عقد ذهبي يجمع حلقات من نحاس أو قصدير.
فمن هذه الحلقات كتاب (شاعر الشعب) لمؤلفه الدكتور سامي الدهان؛ تناولته وأنا أحسبه دراسة أدبية مبسطة أو بحثاً مقرباً، وإذا به موضوع لا يرقى إلى الموضوعات المدرسية المنظمة، وقد سماه المؤلف شاعر الشعب ليستهوي الجمهور ببراعة العنوان دون أن يدل على المقصود، فمن هو شاعر الشعب؟ وأي شعب أراد المؤلف في ظاهر الكتاب؟
أما باطنه فهو يعنى بالكلام عن شاعر النيل حافظ إبراهيم الذي ملأ صيته الشرق، وليس بحاجة إلى دراسة خفيفة أو بحث مرتجل، فرجل الشارع بمصر والبلاد العربية سمع بحافظ إبراهيم، فما بالك بالمتعلمين والمثقفين؟ وإنما يعوز حافظ إبراهيم اليوم أن يتصدى لدراسته من يستطيع تحليل شعره وعصره وبحث حياته ووطنيته من شتى نواحيها متعمقاً فيها، مستغرقاً أطرافها وخوافيها.
ويبدو أن المؤلف الفاضل آثر الراحة ورضى الجمهور والناشر فقد بات أكثر أدبنا بضاعة مزجاة خاضعة لقانون العرض والطلب في عالم الاقتصاد، فلملم الدكتور الدهان أصول كتابه وفصوله من ديوان حافظ إبراهيم الذي نشرته وزارة المعارف المصرية سنة ١٩٣٧ وشارك في جمع شعره وشرحه وتنسيقه الأساتذة الثقات أحمد أمين وإبراهيم الأبياري والمرحوم زين.
وقد كتب المقدمة الشاملة العالم البحاثة أحمد أمين فكان من أغرب ما صنع المؤلف أن أهمل ذكر هذا المصدر الفياض الذي استقى منه آمناً مطمئناً غير حاسب أي حساب