وكنا ننتظر من الأستاذ الفاضل الدكتور سامي الدهان أن يتحفنا ببحث شائق عن حافظ في سورية ولبنان، فقصيدته الرائعة التي قال فيها:
حيا ربوع الحيا أرباع لبنان ... وطالع اليمن بالشام حياني
حافلة بصور المودة والعروبة ومباهج الطبيعة والجمال، وهي جديرة بالدرس والمقارنة، وفيها قال حافظ:
وقد وقفت على الستين أسألها ... أسوفت أم أعدت حر أكفاني
وقد اتفق أن كانت نهاية الشاعر بعد هذه الوقفة بشهور. على أن هذه الوقفة الشاعرة الملهمة كان جديراً بالمؤلف أن يستغلها لو مر بها، فإنها تصلح لانبثاق مسارح العاطفة من شاعر خالد اتفق له أن تنبأ بموته وصدقت نبوءته. لقد سبق المتنبي حافظاً إلى مثل هذه النبوءة المحققة حين فارق فارس فقال قبيل فراقها:
وأنى شئت يا طرقي فكوني ... أذاة أو نجاة أو هلاكا
ومن عجب أن يقول المؤلف:(إن حافظاً لم يحس بالطبيعة ولم يحدثها أو تحدثه، وكأنها لم تنقش في ذهنه إلا كما ينقش الأزميل في الماء أو القلم في الصحراء) وقد فاتته القصائد الوصفية التي نشرت في ديوانه الأخير من ص٢٠٥ إلى ص٢٣٩ وفيها مقطوعات وأبيات في وصف الطبيعة بين السماء والأرض، وما يزال في خاطري من عهد الدراسة قصيدة حافظ في وصف الشمس، وهل الشمس إلا أم الطبيعة ومحور الكون؟ وقد وصف شاعر النيل الزلازل والبراكين، وصور البحر وخفوق الرياح أروع تصوير، ولم يترك جنان الربيع ولا منازل الجزيرة في وطنه الجميل.
ولا ينبغي أن يغيب عن كفتي ميزاننا الأدبي الحديث أن حافظاً وشوقياً والبارودي وصبري قبلهما لم يعنوا بوحدة الموضوع كما نطالب بها اليوم شعرائنا، ولروح الشعر العربي طبيعة تختلف عن طبائع الشعر الغربي إذ أن شعرنا لا يخلوا من التنوع واختلاف الصور فيه على الرغم من كل تجديد.
وثمة كلمة نابية جاءت ص٣ ذكرها المؤلف وهو يتحدث عن حافظ وشعره فقال (ظل يهذي حتى قال الشعر) وما كان حافظ مهذاراً في شعره ولا هاذياً، وإن النكتة التي شاعت في أحاديثه الخاصة لم تكن لتذهب من وقاره وقدره. ولعل المؤلف أراد أن يقول: حاول