ولعل العالم لم ير قط رأياً الأم من هذا الرأي ولم يسمع قولاً أكفر من هذا القول، فهل يعقل أن رجلاً كاذباً خداعاً يستطيع أن ينشر ديناً بين الناس وأن يوجد العجب من القوانين والأحكام التي كانت مدار الأحكام والتي أصبحت محور القوانين جميعاً رغم كل ما يقال. والله إن الرجل الكاذب لا يستطيع أن يقيم بيتاً من الطوب، لأنه يدعى أنه عليم بخصائص الجير والجص ومواد البناء وهو لا يعرف منها شيئاً. فإن يبنيه إنما هو تل من الأنقاض وكثيب من أخلاط المواد، لا يستطيع أن يثبت اثنتي عشرة ساعة إذا هبت عليه ريح عاصف، لا أن يقف كالطود الشامخ أمام مختلف الأعاصير والأنواء اثني عشر قرناً يسكنه مائتا مليون من الأنفس، لا يمر عليهم وقت إلا وهم في ازدياد مستمر ونمو مطرد. أفبعد هذا يقال إن محمداً كاذب خداع.
وليعلم من لم يكن يعلم أن على المرء أن يسير في جميع أمره طبق قوانين الطبيعة لا يخالفها، وإلا استعصى عليه الأمر وأبت هي أن تجيب طلبته وتعطيه ما يشاء ويبتغي.
كذب وافتراء والله ما يذيعه أولئك الكفار، ولابد أنهم سيعودون في النهاية مهزومين وإن زخرفوا أقوالهم حتى تخيلها بعض الناس حقاً.
باطل وزور والله ما يدعون إليه وإن زينوه حتى أوهموا السذج أنه صدق. ومحنة والله ومصاب ما بعده مصاب أن ينخدع الناس بهذه الأباطيل، ويجد الكذب له بين الأمم والشعوب آذاناً صاغية.
ولكن مهما كان الأمر فإن الناس سيأتي عليهم اليوم الذي يدركون فيه كذب هؤلاء؛ إنه كما ذكرت لكم قبيل الأوراق المالية المزيفة، يبذل لها صاحبها غاية الجهد، ليتخلص منها ويخرجها من كفه القذرة الأثيمة، ليقع في ضررها غيره ويحيق مصابها بسواه، ولكن لا يلبث زيفها أن يظهر للناس، فيلقون بها في سلات المهملات وهم يصيحون بملء أفواههم (هذه أوراق مزيفة).
إننا لو قارنا بين دعوة محمد وصدقه فيما أتى به، وبين دعوة زعماء الثورة الفرنسية - لا على سبيل المساواة في القيمة الروحية ولكن على سبيل المثل فقط؛ إذ من الظلم البين أن نقرن الثانية بالأولى - وما حاول أولئك الزعماء نشره، لوجدنا أن الأولى قد جاءت من قبل مجيء الثورة الفرنسية بعدة قرون وبقيت بعدها وستظل ثابتة إلى أن يرث الله الأرض