ولكن ما لمحمد وهذه المعبودات، وأنى تؤثر في نفسه هذه الأوثان ولو أنها رصعت بالشهب لا بالذهب، وكيف يسيغ له عقله أن يعبد هذه الأصنام ولو عبدها الحجاج من عدنان والأقيال من حمير، وأي خير يرجوه منها ولو عبدها الناس جميعاً؟
لقد عاش محمد حياته الأولى بين قومه رائحاً غادياً ولكنه كان في الحقيقة يعيش في واد من التفكير المنظم والنظر الثاقب، وقومه كلهم في واديهم يعمهون وفي ضلالاتهم سادرون وعن الحق مبتعدون، عاش مائلاً بين يدي ربه، سابحة أفكاره في ملكوت السموات والأرض، فلما سطعت لعينه الحقيقة الكبرى وجاءه الناموس الأعظم وانشرح صدره وزالت كربة نفسه. ما كان له إلا أن يجيبها، وإلا فقد حبط سعيه وضاع جهده وأصبح هو وقومه سواء بسواء.
فقال لنفسه: فلتجبها يا محمد، أجب وإلا كنت من الخاسرين. . أجب فقد وجدت الجواب الذي حيرك طوال هذه الأعوام. .
أفبعد هذا يزعم الكاذبون الحاسدون أن الذي أقام محمداً وأثاره هو الطمع وحب الدنيا والرغبة في الجاه والسلطان، حمق وايم الله وهوس وسخافة، وظلم بين إجحاف للحق وتضليل للحقائق. ليقل لي هؤلاء الطاعنون، أي فائدة لرجل مثل محمد في جميع بلاد العرب من أقصاها إلى أقصاها، وأي خير له في تاج كسرى وصولجان قيصر. بل أي قيمة عنده لجميع ما بالأرض من تيجان وعروش؟! لأنه يعرف المصير الأخير لجميع الممالك والتيجان. . وأين تصير الدولة جميعها بعد حين من الزمان (كل من عليها فانِ). أيطمع في مشيخة مكة وقضيبها ذا الطرف المفضض. . أم في ملك كسرى وتاجه ذي الذؤابة الذهبية. . أم في صولجان قيصر وعزة ملكه؟ وهل في كل هذا منجاة للمرء من هول يوم الحساب إن لم يكن له من عمله منجاة ومظفرة. كلا. إذن ما علينا إلا أن نضرب برأي هؤلاء الجائرين القائلين إن محمداً كاذب لا يبغي من دعوته إلا السلطان والجاه، عرض الحائط، فإن مذهبهم عار وسبة على البشرية فلقد أصبح من أكبر العار على أي إنسان متمدين من أبناء هذا العصر أن يصغي إلى ما يشاع من أقوال مفتراة وأكاذيب ملفقة عن دين الإسلام وأنه كذب، وأن محمداً رجل خداع مزور شهواني فاسد. بل أصبح من أوجب الواجبات علينا أن نحارب كل من يحاول أن يلصق هذه التهم وأمثالها بمحمد