والذي يجب على كل إنسان أن يسأل نفسه عنه ما كان يجول بخاطر محمد، وما أحسه في نفسه ذلك الرجل القفري. إن هذه هي المسألة الكبرى والأمر الأهم - الذي يجب على كل إنسان أن يضعه في الرتبة الأولى من تفكيره إذ أن كل شيء بجانبها عديم الأهمية.
إن هذه المسألة لو بحثنا عنها في فرق اليونان الجدلية أو نقبنا عنها في روايات اليهود المبهمة أو فتشنا عنها في نظام وثنية العرب الفاسدة فإننا لن نجد لها جواباً شافياً. وأما فيما جاء به محمد فإن الجواب يطالعنا في كل مكان سواء في القرآن أو في أقوال محمد نفسه الذي لا ينطق عن الهوى، وهذا دليل على أهميتها وخطرها.
لقد سبق لي أن قلت إن أهم ما يميز الباطل وأولى خصائصه، هي نظره خلال ظواهر الأمور إلى بواطنها، وأنه يقيس الباطن على الظاهر. أما الاعتبارات والإصلاحات والعادات والاستعمالات فإنه لا ينظر إليها سواء أكانت جيدة أم رديئة، حقة كانت أم باطلة. لقد كان محمد ينظر إلى الأوثان التي يعبدها قومه ويقول في نفسه: إن هذه المعبودات لا بد أن يكون وراءها شيء. وما هي إلا رمز وإشارة لمعبود أعظم، ولكن القوم ضلوا السبيل إليه وإلا كانت زوراً وباطلاً وقطعاً من الخشب لا تضر ولا تنفع، وهذا أكبر شاهد على إخلاص محمد لقومه فهو يريد أن ينقذهم مما هم فيه من ظلمة واضطراب، ولكنهم لجوا في بادئ أمرهم وعتوا عتوا كبيراً.
لو كان محمد يريد الجاه والسلطان لما استطاع أن ينقذ هؤلاء العرب الجفاة ولا قدر على تحطيم معبوداتهم. لقد اتهموه بأبشع التهم ولصقوا به أحط الصفات. فقالوا إنه ساحر كذاب (وعجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا ساحر كذاب. أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا الشيء عجاب. وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد. ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق) وقالوا إنه شاعر مجنون (إنهم كانوا إذا قيل لهم لا أله إلا الله يستكبرون ويقولون أئنا لتاركو آلهتنا لشاعر مجنون) ثم دعوه إلى عبادتها وترك دعوته مرغبين، ثم مغرين، ثم حرموه وأهله وعشيرته مصاهرتهم والعمل معهم، وحرموا على العرب التقرب منهم حتى كادوا يهملون، ثم هددوه بالقتل إن هو لم يثب إلى رشده ويرجع عما هو فيه من تحقير آلهتهم والنيل من معبوداتهم. . .