ألا تعلوا على الله في بلاده وعباده، فإنه قال لي ولكم: تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين).
وجاء فتى إلى رسول الله فقال: يا نبي الله إن لنا منك نظرة في الدنيا ويوم القيامة لا نراك، فإنك في الجنة في الدرجات العلا، فنزلت:(ومن يطع الرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا) وقال النبي: أنت معي في الجنة.
وقد رأينا كيف أنشد النابغة أبو ليلى عبد الله بن قيس أمام النبي بيته العالي:
علونا السماء عفة وتكرما ... وأنا لنرجو فوق ذلك مظهرا
فغضب النبي فقال: إلى أين المظهر يا أبا ليلى؟ فقال: إلى الجنة يا رسول الله فقال النبي: أجل إن شاء الله. وهذا يذكرنا بقول النبي لأم حارثة بن سراقة (وحارثة في الفردوس الأعلى فرجعت وهي تضحك وتقول وهي تضحك: بخ بخ لك يا حارثة.
والحق دائماً ينتسب إلى العلا بينما الباطل ينتمي إلى الدون، وهذا مصداق قول رسول الله لسعد بن معاذ إذ أصدر حكمه - بأمر النبي - في يهود بني قريظة (لقد حكمت فيهم بحكم الله - من فوق سبع سموات - وشأن هذا الحكم العلو والرفعة - قد طرقني بذلك الملك سحراً) فهذا الحكم العالي الذي تتضائل دونه أحكام الاستئناف العالي.
وقد تغلغلت روح المعالي في نفوس الصفوة المختارة من فلاسفة الإسلام وخلفائهم المثقفين، فهذا ابن سينا يقول في مطلع قصيدته في النفس:
هبطت إليك من المحل الأرفع ... ورقاء ذات تدلل وترفع
وهذا المأمون يقول لرجل استأذن في تقبيل يده (إن قبلة اليد من المسلم ذله ومن الذمي خديعة، ولا حاجة بك أن تذل ولا بنا أن نخدع).
والجهاد في الإسلام رفعة النفس بينما النكوص على الأعقاب والقعود عن الجهاد هو الإخلاد إلى الأرض، والرضى بالدنيا، وشأن الكريم أن ينشد الحياة العالية، قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض، أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل). والنبي يقول (رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد). والسماء إشارة إلى السمو والرفعة لهذا