وكان مما قاله معبد الخزاعي عندما التقى النبي بحمراء الأسد بعد غزاة أحد (. . . ولوددنا أن الله تعالى أعلى كعبك)
من أوضح الأدلة على الشعور بالدون عند أهل الدون قول رأس النفاق عبد الله بن أبي سلول عندما قال:
متى ما يكن مولاك خصمك لا تزل ... تذل ويعلوك الذي لا تصارع
وهل ينهض البازي بغير جناحه ... وإن قص يوماً ريشه فهو واقع
وذلك من غير شك تعبير عن هذا النقصان الناجم عن الحقد والضغن في نفس هذا المنافق الغليظ الذي لا يعلو، وما يكون له ولا لمثله ولا لأمثال أمثالهما أن يعلو. وخير منه في هذه الخصومة الوليد بن المغيرة في وصفه كتاب الله (وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق.)
ولما سئل نبي الله عن أي أنواع الجهاد في سبيل الله قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله). وهو عليه السلام الدافع إلى علو النفس وإباء الضيم وارتفاع الكرامة إذ يقول (اليد العليا خير من اليد السفلى).
ومن مظاهر التشريف والتكريم أن ينزل الضيف في أعلى مكان بالبيت، لهذا عندما وصل النبي - لدى هجرته المباركة - إلى قباء نزل في علو المدينة بحي عمرو بن عوف، وفي بيت أبي أيوب الأنصاري، نزل النبي بالسفل وما كان أبو أيوب ليرضى أن يكون هو بالعلو والنبي بالسفل، ولكن تواضع نبي الإسلام أبى عليه أن يعلو مادياً، فارتفع روحاً ومعنى، وهو الذي سأل ربه: اللهم الرفيق الأعلى، اللهم ألحقني بالرفيق الأعلى، أسأل الله الرفيق الأعلى.
وقبلا نادي نوفل بن خويلد يوم بدر فقال: يا معشر قريش: اليوم يوم الرفعة والعلي، فقال النبي: اللهم اكفني نوفل بن خويلد، فقام إليه علي فقتله، ومعنى ذلك أن صاحب المعالي علياً ابن أبي طالب كرم الله وجهه قتل نوفل بن خويلد الذي يدعي الرفعة والعلى، وهما منه براء، وهو منهما على غير شيء في كثير أو قليل. لهذا كثر ما كان المسلمون يعلون الكفار بالسيوف فتطيح رءوسهم إلى أسفل سافلين.
ولما دنا فراق النبي عليه السلام دنيا الناس جمع أصحاب المعالي الصحابة في بيت عائشة وقال لهم فيما قال (أوصيكم بتقوى الله، وأستخلفه عليكم وأحذركم الله، إني لكم نذير مبين