للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

التراب بالدماء الغوالي التي سكبت عليه في سبيل أن تكون كلمة الله هي العليا.

وأريد محمد يوماً أن يكف عن هذا الدين الذي جاء به، فقال لسفير القوم عمه أبي طالب (والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر أو أهلك دونه ما تركته)، وفي هذا الجواب مزاج من العزة والطموح، إذ أن النبي إنما بهذا الدرس العالي على الأجيال المتعالية في سلم الترقي، وبين عينيه الشمس والقمر، وهما ما هما علواً وارتفاعاً ومع هذا يمتلئ قلب محمد بالعزة التي تكاد تفتت الشمس والقمر وتنزلهما من أعلى مكان ليكونا بين يديه.

ومن هذا الباب رؤيا يوسف عليه السلام (قال يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكباً، والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين) والأحلام - في نظر السيكولوجيين - هي تنفيس عن رغبات مكبوتة، وهكذا يجتمع أنبياء الله في قمة المعالي، بما ملأ قلوبهم من الإيمان، فتهون حيلها ما في الأكوان من كواكب وجبال. وكثيراً ما يرى الطامحون في منامهم أنهم يطيرون، وأقرب تفسير لذلك أنهم من أصحاب المعالي.

وليس بمنكر أن يكون محمد زعيم أصحاب المعالي فهو القائل (علو الهمة من الإيمان) والقائل أيضاً (إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها) وجاء في الأثر (لا تصغرون هممكم).

ولقد كان أهل المدينة من الجهات العالية بها يسمون في العرب باسم (أهل العوالي) وقد جاء (عجوة العالية شفاء) (لا ينبغي لهم أن يعلونا) وفي ذلك اليوم غلب على وهم أبي سفيان أن أبطال المسلمين قد قتلوا، لهذا قال: (أنعمت فعال) أي فدعني، وقال أبو طالب:

- في نزوة حمقاء -: لا تعلوني! شيء

ويقال إن أرواح الأنبياء في الملأ الأعلى، كما أن النبي الكريم كان يقول وهو يقاسي سكرة الموت: بل الرفيق الأعلى، فتقول عائشة: إذن والله لا تختارنا.

وقف أبو سفيان يوم أحد مفاخراً برأس الأصنام (هبل) فيخاطبه: اعل هبل. وما يكون لصنم أو لعابد صنم أن يعلو أو يسود، لهذا أمر النبي أحد الصحابة ليجيب فقال: الله أعلى وأجل. وماذا يقول المنطق السليم في هذا الجواب السليم الصاعد بالتمجيد إلى الله الذي لا أكبر منه ولا أعلى، وهو سبحانه وتعالى يعلو ولا يعلى عليه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>