وبذلك حارب في القائمين على أموال، والذين لهم فيها حق التصرف - مالكين أو مشرفين. حارب فيهم الترف والبذخ والتبذير فيما لا يعود بخير على الأمة، وجعل للحاكمين الحق في أن يقفوا للمسرفين المبذرين بالمرصاد حتى يحتفظوا بأموال التي استخلفهم فيها، والتي هي الحياة للفرد والجماعة، وحتى تسلم صدور المقلين من الحقد الذي تولده وتنميه مظاهر الترف والإسراف التي تحيط بهم وتقع عليها أبصارهم وهم محرمون من حاجتهم الضرورية، والمعيشة المطمئنة المريحة.
وبهذا المبدأ الذي قرره الإسلام إزاء المال تحل المشكلة المالية التي ولدها الجشع فهددت العالم في حياته وأمنه، فهو يقضي على الطغيان المالي، ويصوم المجتمع من الشيوعية الهدامة، ويحتفظ بالحقوق والجهود، ويوفر ثمرة العمل، ويفتح باب التنافس في عمارة الكون وتقديم الحياة والفضائل الإنسانية السامية.
أمر الإسلام بحفظ العرض احتفاظا بعنوان الشرف والكرامة، واقتلاعا لبذور الفوضى الجنسية التي تقضي على نظام الأسر والأنساب، وتجعل الأفراد لبنات مبعثرة لا يجمعها رباط ولا يظللها قبيل. وقرر أن الاختصاص في الحياة الجنسية كالاختصاص في الملكية الشخصية كلاهما عنصر من عناصر الحياة الآمنة الشريفة، وبفقدها أو إحداهما تنفصم العرى وتنقطع الروابط، ويصير الإنسان إلى إباحة مطلقة أو قسوة وحشية، وجدير به حين إذ أن يرحل من قصور الحضارة إلى غابات الوحوش وفلوات الذئاب.
أمر الإسلام بحفظ الصحة وحارب المرض، فأمر بالوقاية، وحذر من العدوى، وحث على التداوي، وأباح للمريض والخائف من المرض إذا توضأ - أن يتيمم - واكتفي به طهارة له. وأباح الفطر في المرض والسفر، والحيض والنفاس، والحمل والإرضاع والشيخوخة؛ كل ذلك عناية بالصحة ووقاية من المرض. والإسلام يبني أمره كما قلنا على الواقع، والواقع أنه لا علم إلا بالصحة، ولا جهاد إلا بالصحة، ولا عمل إلا بالصحة، فالصحة هي رأس مال الإنسان وأساس سعادته، وقد استقر ذلك في نفوس المسلمين حتى اشهر على ألسنتهم: إن صحة الأبدان مقدمة على صحة الأديان.
السابع: أمر بحفظ العقل الذي هو ميزان الخير والشر في هذه الحياة، فحرم كل ما يفسده أو يضعفه (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل