للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

البحر المنطوية في ضمير الأساطير.

واستولت علي مشاعر وحشية وانثالت علي سيول من الغيظ الجارف، فانقضضت عليها كما ينقض الوحش الكاسر على فريسة ضعيفة، وجررتها من شعرها إلى غرفة السطح وأقفلت بابها، ثم انهلت عليها ضرباً وركلاً وصفعاً. . . يا إلهي، لم غرست في قلبي هذه العواطف المتدفقة بالشفقة والحنان؟! أفلم تكن تستأهل ذلك العقاب فما الذي دعاني إلى الاحتراق في لهيب ألمها؟! كنت أحس بكل صفعة تهبط على خدها تقفز إلى خدي، وبكل ركلة أسددها إلى جسدها تتحول إلى جسدي وكانت صيحاتها الفزعة رصاصاً يمزق سمعي، ودمعها المتدفق شواظاً يحرق قلبي. ومع ذلك لم يكن بوسعي تلك اللحظة أن أكبح جماح الرغبة الجبارة التي استحوذت علي بالإمعان في إيلامها! كنت كاليائس من الحياة الذي يفضل الموت فيواصل طعن قلبه حتى يكف عن الوجيب.

ومنذ ذلك الوقت لاحت في عيني بدور صورة لمشاعرها الغائرة. . . صورة خطوطها المقت والعناد وإطارها الاستهانة والازدراء وتمادت في غيها كأنها تتعمد معاكستي. وضاعفت عنايتها بزينتها في الساعة التي تتأهب فيها للظهور على السطح استعداداً للقاء الحبيب. وكنت حين أرقبها وهي تقف أمام المرآة وتمشط شعرها في عناية وتمهل ثم تضفره أو تعقصه أو تدعه منثوراً على كتفيها أستشعر موجات من الرغائب المتناقضة تتدافع في صدري. ففي الوقت الذي تتملكني فيه رغبة في قص ذلك الشعر عن آخره، تساورني رغبة أخرى في العناية به بنفسي وتزيينه بيدي. . .!

كنت أبغي لها الخير على أية حال، فلم واجهته بالشر؟! ولماذا كانت تجد لذة في إثارة الألم في نفسي؟! كانت تعلم حق العلم بما تجر علي تلك الساعة من عذاب حين يقترب أوان العصر ويناديها السطح لإعداده. ومع ذلك كانت تحاول أن تذكرني بها جهد استطاعتها لتغذي شعلة عذابي، فإذا ما حان الوقت خفت خطواتها على بلاط الدار حتى لتكاد تتحول إلى رقص، وحلق فوقها نغم غنائي صامت ينبعث من شفتيها في عذوبة ومرح، وتلألأ شعرها وازداد بريقه، واشتدت حركتها ونشاطها، فتروح وتجيء وتدخل وتخرج، وتتعمد المرور على مقربة مني دون أن تنظر إلي أو أن تلقي علي نظرة عابرة كما لو كنت قطعة تافهة من أثاث الدار لا تستوقف النظر، وكانت تلك الخطوات الخفيفة والنغم المرح

<<  <  ج:
ص:  >  >>