كان غاية همي أن أصرفها عن سلوكها الشائن الذي لم أشك لحظة واحدة أنه سيوردها موارد الهلاك، فعقاب زلة القدم لا رجوع فيه، لكنها تسلحت بالصمم حيال نصائحي المتواصلة. بدور، إن التعرض لأنظار شاب غريب بهذه الهيئة الفاضحة مضر بسمعة العائلة، بوسعك أن تلبسي هذا المظهر أمامي فأنا ابن عمك ولا حرج عليك في ذلك، ولكن مهدي شخص غريب. . بل إنه شاب خبيث يا بدور، أفلا تفهمين؟! أرجوك. . أرجوك يا بدور. . تجنبي فضوله.
لكنها لم تتجنب فضوله، كانت على يقين أنني عاجز عن الوقوف في وجه نزواتها عجز الطير المقصوص الجناحين عن الطيران. فالواجب المنزلي يقتضيها الصعود إلى السطح كل عصر لتنظيفه وتهيئة أسرة النوم وبذلك تتهيأ لها رؤيته. وكانت تلك الحقيقة الكاوية تلذع مشاعري بنيران الغيظ، فأحس كلما غدوت على فراشي ليلاً بوخز يلسع ظهري كما لو كنت راقداً على حزمة من الشوك. وذات أمسية، بينما كنت مستلقياً على الفراش وذهني عاكف على مراجعة غرامها الطائش تراءى لي أن أسلوب اللين الذي أعالج به طيشها لن يجدي شيئاً، وقرَّ في عزمي أن أهجر ذلك الأسلوب. وفي صباح اليوم التالي أمرتها بلهجة حازمة أن تتلفع بالعبادة كلما ظهرت على السطح. ولم يخف على ما بدا على صفحة وجهها من تجهم واحتجاج وإن لازمت الصمت ولم تفه بكلمة اعتراض. ولكنني كنت كمن ينتظر أن يهجر البلبل التغريد ويمتنع الريحان عن نشر أريجه!
ومضت أيام. . .
وكان من عادتي أن أبرح الدار في مساء كل يوم لأتنزه في شوارع المدينة بصحبة صديقي زكي، ثم أعود أدراجي حين يهبط ستار الليل، وخرجت تلك الأمسية في ساعتي المحددة، وبدلاً من أن استصحب صديقي زكي تجولت في الشوارع منفرداً، ثم قفلت راجعاً - قبل ميعادي - وكانت رغبة قوية تدفعني نحو المنزل. . . وتلك لحظة لن تمحى صورتها من مخيلتي أبداً، حين ظهرت أمام بدور، وجمدت في مكانها كالتمثال وراحت ترسل إلي النظر في ذهول يشوبه الرعب كما لو كنت عفريتاً انشقت عنه الأرض تعالى فوقها بهامته! وكان كل شيء كما تجسم في أعماقي منذ البداية. . . كانت تخطر على السطح بدون عباءة وشعرها الأشقر منثور على كتفيها في إهمال يثير كوامن الإعجاب كأنها إحدى حوريات