للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وفي ميدان الخدمة الاجتماعية الطبية، سبق الإسلام المدنية الحديثة إلى الحمل على أساليب العلاج التي لا سند لها من المعرفة، وقرر مسؤولية الطبيب الجاهل.

والنظافة عند المسلمين عبادة، بل هي فاتحة عدة عبادات لهم وهي بالضرورة من قوانين حياتهم اليومية. وقد دعت السنة إلى نظافة طرق الناس وكل مكان يرودونه أو يأوون إليه، وحفلت البلاد الإسلامية بالحمامات على نحو لافت، فمصر الفسطاط مثلاً كان بها ألف ومائة وسبعون حماماً، وبغداد كانت عدة الحمامات بها في وقت ما نحو ألفي حمام، وقرطبة كان فيها تسعمائة حمام.

ومما يصح أن يهدى إلى دراساتنا الاجتماعية أن النظم الإسلامية توقي الناس الأمراض المعدية، وأنها تولي ذوي العاهات التفاتاً خاصاً، فالعميان أجرت عليهم الأرزاق وعينت لهم من يقودهم والمقعدون خصصت لكل منهم خادماً.

ومن دلائل النضج الاجتماعي أن تظفر السجون في البلاد الإسلامية في زمان مبكر بعناية طبية فيخصص لها الأطباء.

والعناية الطبية في المحيط الإسلامي لا تقف عند الأجساد، بل تقدر الأثر البيئي وتقدر حالات النفس، قالوا في التطبيب: (وإن الأجساد الحيوانية تتغير بالأهوية المحيطة بها وبالحركة والسكون والأغذية من المأكول والمشروب والنوم واليقظة واستفراغ ما يخرج من الجسد واحتباسه من الأعراض النفسانية من الغم والحزن والهم. . . الخ).

ولقد سبقت المستشفيات الإسلامية إلى العناية بالمريض نفسانياً وهي الغاية التي تحفل بها الخدمة الاجتماعية الحديثة، سبقت تلك المستشفيات إلى ذلك على نحو متفوق، فمثلاً كان المؤرقون من المرضى بمارستان قلاوون بالقاهرة يتسلون بسماع الموسيقى والغناء والقصص ليطرحوا الهموم والأوصاب، وكان الرقص والروايات المضحكة تعرض على بعض المرضى لعلها تفيء عليهم في محنتهم المتعة والإيناس.

وتغذية المرضى وكسوتهم في المستشفيات الإسلامية كانتا تظفران بأوفى عناية.

والفقه الإسلامي لا يغفل عن أثر الاستجمام والراحة في تحقيق الصحة. فهو يتيحهما لكل عامل بل يجعلهما حقاً لا ينبغي أن يتره صاحب العمل ولو كان أجيره من دين آخر.

وقد سبق المسلمون إلى العناية بالفاقة، فكان يعطي مالاً ينفق منه ريثما يقوى على العمل،

<<  <  ج:
ص:  >  >>