فعمر بن الخطاب مثلاً إذ يعلم الناس في أماكنهم ويخلف الغزاة في أهلهم، وإذ يتعاهد العجوز العمياء المقعدة فيأتيها في بيتها بما يصلحها ويخرج عنها الأذى، وإذ يسمع بكاء الطفل في الليل فيتوجه نحوه غير مرة، ويسأل أمه أن تتقي الله وتحسن إليه وإذ يكتشف الأرملة وأبناءها الجياع، فيحمل إليهم الدقيق والشحم ويطبخ لهم ويطعمهم، عمر إذ يفعل هذا خادم اجتماعي يفهم واجباته ويؤديها في غير سطحية ولا قصور.
وإذا لم تكن قامت في الإسلام بصفة مطردة ودائمة هيئات اجتماعية تقصر رسالتها على الخدمة الاجتماعية على النحو المتبع الآن فإن الإسلام جعل هذه الخدمة ضمن الواجبات الدينية العامة التي تضيق عنها الجمعيات المحدودة وإنما تقومبها الأمة كلها متكافلة متضامنة: ولهذا ليس من حق أحد أن يقول إذا سيقت له شواهد في الخدمة الاجتماعية الإسلامية مصدرها فرد أو أفراد إن الأمر مخصوص بهم.
ولو قد درست وثائق الأوقاف الإسلامية لوجدنا أفانين متى الخدمة الاجتماعية تجل عن الإحصاء وكلها تستهدف الإحسان إلى الفقراء والضعفاء، لأنها بمقتضى الفقه لا تجوز إن كانت على الأغنياء وحدهم. والكثير من اتجاهات الواقفين المسلمين هو آية إدراك اجتماعي عال. وما أجدر تلك الوثائق بدراستنا على نحو عميق لنستوعب كل غاياتها وندرك كل دلالاتها الاجتماعية.
والحق أن على المختصين أن يجلوا ما أنبهم من تاريخ الخدمة الاجتماعية في الإسلام، فيبسطوا القول في كيف كافح هذا الدين الفقر ودرأ أسبابه ومسبباته، وكيف سبق إلى جعل الزكاة من قواعده قبل عشرة قرون ونصف قرن من قانون الفقر في إنجلترا الذي جعل البر واجباً ينظمه التشريع. وكيف سبق المسلمون إلى تعيين الموظفين وإنشاء (ديوان البر والصدقات) وهو بمثابة وزارة الشؤون الاجتماعية الآن؛ و (ديوان الحبوس) الذي كان ينهض بأعمال وزارة الأوقاف، فنظم الإحسان على نحو لم تصل إليه النظم الحديثة إلا متأخراً، وكيف أن نبي الإسلام سبق إلى نظام بحث حالة السائل الذي هو أنفع ما تقرره الخدمة الاجتماعية الحديثة. وكيف يدق الإسلام ويعلو في تعريف المسكين وكيف يحفظ الوجوه عن المسألة؛ وكذلك كيف يكافح التسول أشد كفاح، ويحبب في العمل، ويعمل على