فحرقوا الهدنة، وشردوا عرب فلسطين، وغدروا بالجيش المصري في العيد الأكبر غدرة هي شر من غدرة اليابان بأمريكا في بيرل هاربر. فلو أن قادة المسلمين في شمال فلسطين وفوا بعهد الجامعة العربية، أو فعلوا ما يفعله أولو النجدة والحمية، أو ما تقتضيه أبسط قواعد الكيد والحرب، فهاجموا اليهود من ورائهم حين أوغلوا في الجنوب وانشغلوا بالجيش المصري من أمامهم، إذن لحصر وهم حصر الحب بين شقي الرحا، ولانتصف الله بهم للمستضعفين من رجال القرى العربية ونسائها وولدانها الذين فعل اليهود بهم الأفاعيل، ولم يرعوا فيهم عهداً ولا عقداً، ولا إلا ولا ذمة. لكن ثالثة الأثافي وعجيبة العجائبوغلطة الدهر ومعرة العمر أن قعدت جيوش المسلمين في الشمال، وتركت اليهود ينفردون بجيش المسلمين في الجنوب، تقاعساً من الحكام وتفرقاً، وتنازعاً وتحاسداً، فعصوا بذلك ربهم مرة أخرى في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون. وأطيعوا الله ورسوله، ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم، واصبروا، إن الله مع الصابرين). وقد حقت كلمة الله على المتنازعين ففشلوا في فلسطين. ووفى الله بوعده للجيش الذي قاتل وثبت وحده فكانت آية الفالوجة، وكان من الممكن في سياستهم الخارجية قد ضلوا السبيل سبيل الله الذي انزل الكتاب والذي يتولى الصالحين وهم في أمورهم الداخلية أيضاً قد ضلوا الطريق لأن الذي حملهم على غير سبيل الله في الخارج لا يزال بهم بحملهم على غير سبيل الله في الداخل: هو أن في النفس وقلة ثقة بها يحمل على إكبار العدو وتقليده، وضعف في الإيمان وقلة طاعة لله يعرض لغضب الله ونقمته وزوال نعمته.
لقد وقى الله العالم الإسلامي ما نزل بالعالم الغربي في حربين كبيرتين أكلتا الأخضر واليابس، وخربتا العامر والغامر، ولم يرعو الغرب ولم يعتبر فهو لا يزال يظلم، ولا يزال يحكم طبق الهوى والمنفعة لا طبق العدل والإنصاف، ولا يزال العيش فيه عيش شهوة واستمتاع، لا عيش فضيلة ودين. والشرق هو أيضاً لا يزال في اغتراره بالغرب يظنه المثل الأعلى ولا يعتبر بما جرته عليه مدنيته المادية من وبال، ولا بما يهدده به علمه المادي من دمار، إذا وقع فلن يدع منه أو يذر. والعلة التي جرت على العالم الغربي حربيه الماضيتين هي التي توشك أن تجر عليه الثالثة ساحقة ماحقة: نسيانه الفضيلة وضلاله عن الله وقد عرف الغرب ذلك حين كان مأزوماً مهزوماً في الحرب. لكنه بعد النصر نسي ما