إلى اليوم فإن من العرب من لا يزال يثق فيه كأنه وفي لهم بعهوده التي استذلهم بها وعاونوه من أجلها وما وفاؤه الذي كان إلا أن أنزل اليهود فلسطين، ونزل هو بجنوده في العراق، وأنزل إخوانه وأعوانه في لبنان والشام. أما مصر فظل محتلاً لها ولا يزال.
وليت المسلمين حين جاءت الحرب الثانية الكبرى اعتبروا بالحرب الكبرى الأولى وبما كان فيها وفي أعقابها من أحداث عملاً بقوله تعالى (فاعتبروا يا أولي الأبصار) وبقول رسوله صلى الله وسلم عليه (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين). ولكنهم لم يعتبروا وسار العدو معهم وساروا معه سيرته وسيرتهم الأولى: يقول فيصدقون، ويعد فيثقون، ويخدع فينخدعون. وهاهو قد مكن لليهود في فلسطين بأكثر مما مكن لهم في أعقاب الحرب الأولى، فصارت لهم صولة وصارت لهم دولة والمسلمون من حولهم كثير، ولكنهم في تفرقهم قليل.
حتى في حرب فلسطين لم يعتصم المسلمون بحبل الله بل تفرقوا. دخلوها جميعاً وقلوبهم شتى. ومع ذلك فقد وفى الله لهم بوعده وأتاهم نصره ما كانوا جميعاً، فلما دحروا اليهود وجحروهم في تل أبيب ولم يبق إلا احتلالها واستئصالها استغاث اليهود فلباهم الغرب والغرب كله في محاربة الشرق أمة واحدة. ارعد الغرب في هيئة أممه وبرق، وأوعد وأنذر، وأمر أن تقف الجيوش العربية في زحفها فوقفت، وأن تدخل الدول العربية في هدنة مع العدو المنحجر فدخلت، كأن قادة العرب إذ ذاك لم يكونوا قرءوا قط آيات القتال في القرآن، ولا طالعوا قط غزوات الرسول في السيرة الكريمة: كأنهم لم يقرءوا قط سورة القتال، ولا سورة براءة، ولا سورة الأنفال، ولا درسوا غزوة بدر، ولا آيات آخر سورة الأنفال التي نزلت في أسرى بدر، والتي كادت تنزل بالعذاب على المسلمين حين آثروا أخذ الفدية على الإثخان في الأرضبعد وقعة مكن الله للمسلمين فيها من المشركين بعد الهجرة كما مكن للعرب من اليهود بعد دخولهم فلسطين. لقد وقى الله المسلمين العذاب بعد بدر بكتاب سبق منه سبحانه:(لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم). وكان هذا إنذاراً عظيماً منه سبحانه أهمله المسلمون في فلسطين فكان من نزول العذاب بإخوانهم فيها ما كان، ومع ذلك فقد أتاح الله للمسلمين الفرصة مرة أخرى حين تحركت طبيعة الغدر في اليهود لما استقووا بالسلاح المختلس في غفلة هيئة الأمم أو بأعين منها،