للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

هذه الغرف الثلاث هي وحدة اللون بين الستار واللجة، ووحدة الشبه بين الجناح والشراع، ووحدة اللمسة الفنية في البيت الرابع الذي يعد الممر الطبيعي المفضي إلى (البهو) الكبير. . . وأين هو البهو الكبير الذي ينتهي إليه السالكون بعد طوافهم في الغرف الثلاث؟ هو في تلك اللمحة النفسية المعبر عنها في البيت الخامس بكلمة واحدة، هي ذلك (الوكر) الذي يفزع إليه كل طائر أجهدته رحلة الحياة:

عاد من رحلة الحياة كما عد ... ت، وكل لوكره في الطريق

وفي المقطوعة الثانية ينثر لشاعر بين يدي القارئ مجموعة هداياه، وهي المجموعة التي نثرها يوما تحت قدمي تمثاله عسى أن يتحرك، ولكن الحلم الجميل لم يتحقق! إنها مجموعة من الغرائب حوت كل محدث وعريق، مجموعة أحلام وأوهام لم تبعث في التمثال ما كان ينشده الشاعر من حياة، ولكنها بعثت في الشعر النفسي كل ما ينشده الأداء النفسي من لمعات. . . لقد أخذ من النجم، وأخذ من الطير، وأخذ من الكرم، وأخذ من البر، وأخذ من البحر، واستعار من حلى الطبيعة ما زين به الرأس والمفرقين والقوام. وهنا تبدو دقة التصميم الداخلي بالنسبة إلى الوحدة الجزئية موزعة على الأبيات، أما الوحدة الكلية الموزعة على الهيكل العام للقصيدة فهي في التقاء المعاني الشعرية المتداخلة على مدار المقطوعات الأربع ولا تنس هذا الأداء النفسي في قوله: (ذاك صيدي) و (جبلتك من قلبي) و (سكبت أغانيه) و (معطف الربيع الوريق). إن الأداء النفسي في اختيار الألفاظ ينكر الصنعة ويضيق بالارتجال!

وكما يرسل المصباح شعاعا من هنا وشعاعاً من هناك لتلتقي هذه الأشعة وتتجمع في (بؤرة) بعينها تتركز فيها الطاقة الضوئية يرسل شاعر الأداء النفسي معانيه من شتى الجوانب والجهات لتلتقي هذه المعاني وتتجمع في (صورة) بعينها تتركز فيها الطاقة الشعورية. وكذلك تجد علي طه. . . فبعد أن عدد تلك الجولات المرهقة في وحلة الحياة، وبعد أن طاف بكل مجلى من مجالي الطبيعة، وبعد أن حلق بأحلام الشباب وأمانيه في كل أفق؛ بعد أن سجل كل تلك المعاني النفسية المتفرقة، عاد ليؤلف بينها وليخرج منها (الصورة الكبرى) التي تعرف موقعها في الإطار والجدار:

قلت لا تعجبي فما أنا إلا ... شبح لج في الخفاء الوثيق

<<  <  ج:
ص:  >  >>