في النفس منذ حين قد ردتني إليها اليوم رسالة الشاعرة الحائرة، وجعلتني أتساءل بيني وبين نفسي: ترى أتكون صاحبة هذه الرسالة التي تلقيتها منذ أيام هي صاحبة الشعر الذي طالعته في إحدى صحف المساء منذ أسابيع؟ إن الروح هي روح ممثلة في التحدث إلى الحياة من وراء حجاب، وأن اللوعة هي اللوعة مصورة في شكوى التقاليد وظلم التقاليد. . . رباه، هل يقدر لهذه الإنسانة الفنانة أن تحطم قيودها يوماً ما، وأن تستشعر حرارة الحياة كما يستشعرها كثير من الأحياء؟!
إنها تسألني هل من المحال أن يكون الأديب الشاعر قديراً ناجحاً ما دام منطوياً على نفسه بعيداً عن دنيا الناس.؟
إن الجواب يا آنستي هو أن الفن بعيداً عن الحياة جسد تنقصه الحركة، وفكرة يعوزها الروح، ولوحة تخلو من الأضواء والظلال. . والفن كما قلت غير مرة ما هو إلا انعكاس صادق من الحياة على الشعور، ولن يتحقق الصدق في الفن ما لم يستخدم الفنان كل حواسه في تذوق الحياة: يرقب، ويتأمل، ويهتك الحجب، وينفذ إلى ما وراء المجهول. فإذا استطاع أن ينقل كل ما يلهب الخيال فيها إلى لوحات من التصوير الفني فهو الفنان. . . وإذا استطاع أن ينقل إلى هذه اللوحات كل ما في القلب الإنساني من نبض وخفوق فهو الفنان الإنسان. وعلى مدار القوة والضعف خفقت القلب ودفقه الحياة يفترق العمل الفني عن مثيله في كل فن من الفنون!
الحياة يا آنستي هي المنبع الأصيل لكل أثر من آثار الفن يترك ظله في النفس وبقاءه على الزمن، في أدب الكاتب، في شعر الشاعر، في لحن الموسيقار، في لوحة الرسام! لتكن الحياة نقمة أو نعمة، لتكن مأساة أو ملهاة، لتكن ألماً أو لذة، لتكن دمعة أو ابتسامة. حسب الفن يعبر عن الحياة فيصدق في التعبير، وحسبه أن يترجم عن رؤية العين وإحساس القلب فيسموا بالأداء! (أدولف) لكونستان، (آلام فرتر) لجيته (مانون ليسكو) لبريفوست، (رفائيل) للإمرتين، (البعث لتولستوي، (نانا) لإميل زولا، (أرض الميعاد) لأندريه موروا (الباب الضيق) لأندريه جيد. . . كل تلك الآثار القصصية وما يماثلها في أدب الغرب قد تنفست فيها الحياة فعبقت بعطر الخلود.
آلام بتهوفن التي صبها في أنغامه خالدة لأنها من الحياة، لذات بايرون التي تدفقت في