ولنعد إلى حديث المستشرق العلامة الفرنسي سديو في كتابه تاريخ العرب العام.
قال (ص ٢٦٩ من تعريب عادل زعيتر) دخل المغول بغداد عنوة فانتهبوها في سبعة أيام فحرقوا بعض المخطوطات الثمينة التي وجدوها في المكتبات والمدارس وألقوا بعضها الآخر في نهر دجلة فأصبحت مياهه من مدادها على حسب رواية مؤرخ عربي مبالغ فيها.
نهب المغول ما اشتملت عليه مدينة المنصور بغداد من الكنوز العجيبة مع أنهم سلبوا بخارى وسمرقند ومرو ونيسابور وأصفهان فيما مضى، وخنق المستعصم بأمر هولاكو فجرت جثته الدامية تحت أسوار بغداد التي كانت شاهدة على عظمة العباسيين وانحطاط هؤلاء وذلهم.
وأمحى العرب بين تلك الثورات (الداخلية) المتصلة - أمام برابرة الشمال والترك والمغول ولم يبق لهم كيان سياسي خارج جزيرة العرب أي تواروا من مسرح تاريخ أمم الشرق؛ بيد أن الأثر العظيم الذي طبعوا به الحضارة لا يزال ظاهراً، ولم يؤد ما وقع في آسيا من الانقلابات إلى غير تأييده بأسطع بيان؛ فقد رأينا أن ملكشاه السلجوقي اقتبس من مدرسة بغداد إصلاح التقويم الفارسي، وأن محموداً الغزونوى اتخذ مشاوراً له ذا التأثير العظيم في عصره العبقري العالمي البيروني.
ولما ظهر هولاكو المغولي الذي لا يعرف كيف يصون من اللهب الآثار الرائعة التي جمعت بفضل ذوي البصائر أذعن لنفوذ نصير الدين الطوسي فأذن لهذا الرياضي الشهير في إقامة مرصد فخم بمراغة.
ولما أصبح أخوه (كوبلاي) عاهل الصين نقل إلى مملكة ابن السماء معارف العرب. ولما مضى قرنان قامت على أنقاض الدولة المغولية دولة تيمورلنك الذي اعتقد وهو على رأس الترك الشرقيين أنه مرسل من الله ليملك آسيا بأسرها فخلفه ابنه شاهرخ وحفيده (ألوغ بك) فعد هذان الأميران ممثلي المدرسة العربية الأخيرين، ثم كان للهندوستان التي أنارها علم البيروني منذ عهد أصحاب غزنة بابن الأخ الصغير لأولوغ بك والمؤسس لدولة المغول في الهند (بابر - كان للهندوستان حافز مثمر إلى ثقافة العرب (في عهد بابر) انتهت شهادة المستشرق سيديو للعرب.
ولنصغ إلى شهادة مستشرق آخر هو السنيور كرلونلينو الذي كان أستاذاً بالجامعة المصرية