بهذا الميزان رجحت كفته، فقد رأيت في تتبعاتي الخاصة مدى اهتمام الغربيين بهذا الفيلسوف الرياضي العظيم. ففي الوقت الذي ترى فيه الرجعيين الجامدين من المتزمتين يكيلون السباب جزاءاً لهذا الفيلسوف العظيم تجد كبار مؤرخي الحضارة الإسلامية يسجدون لعظمة العبقرية النادرة في شخص نصير الدين الطوسي وينسبون إليه المعجزات في الرياضيات ويسجلون له الابتكارات والاكتشافات والاختراعات الرائعة فتسخر من هؤلاء الجهلاء الذين تحاملوا على كرامة الطوسي، وأساؤا إلى سمعة المسلمين في جهلهم بقيم رجال العلم وانصياعهم لداعي التعصب الذميم. لقد كان أبو عبد الله محمد بن أبي بكر الشهير بابن قيم الجوزية (٦٩١ - ٧٥١ هـ) يخبط خبط عشواء (رحمه الله وعفى عنه)، إذ قال في ص ٢٩٧ من الجزء الثاني من كتابه (إغاثة اللهفان من مكائد الشيطان).
(وصارع محمد الشهرستاني ابن سينا في كتاب سماه (المصارعة) أبطل فيه قوله بقدم العالم وإنكار المعاد ونفى علم الرب تعالى وقدرته وخلقه العالم، فقام له نصير الإلحاد (يقصد نصير الدين الطوسي رحمه الله) وقعد، ونقضه بكتاب سماه (مصارعة المصارعة) ووقفنا على الكتابين - نصر فيه: أن الله تعالى لم يخلق السموات والأرض في ستة أيام وأنه لا يعلم شيئاً وأنه لا يفعل شيئاً بقدرته واختياره ولا يبعث من في القبور. وبالجملة فكان هذا الملحد (أي نصير الدين) هو وأتباعه من الملحدين الكافرين بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر). ومن قرأ كتب الطوسي في علم الكلام آمن أن ابن قيم الجوزية مفتر على الرجل، وأن كتب الطوسي في الإيمان والعقائد وصلت إلى برلين، ولم يصل أسمها إلى مؤلف إغاثة اللهفان إلى الباطل والبهتان. وقد شرح كتاب الطوسي تجريد العقائد جماعة من العلماء والمتكلمين الأفاضل وفي مقدمتهم المولى على القوشجي الشافعي من سمرقند والعلامة الحلى من العراق. ثم يستمر ابن الجوزية في هذيانه فيقول:(والفلسفة التي يقرؤها أتباع هؤلاء اليوم هي مأخوذة عنه (أي عن الطوسي) وعن إمامه ابن سينا. وبعضها عن أبي نصر الفارابي وشيء منها من كلام أرسطو وهو مع قلته وغثاثته وركاكة ألفاظه كثير التطويل لا فائدة فيه. وخيار ما عند هؤلاء فالذي عند مشركي العرب من كفار قريش وغيرهم أهون منه. .) ولا أدري كيف حكم بركاكة ألفاظ أرسطو في لغته اليونانية التي أعتقد أنه يجهلها!