السياسة شأن كبير ومكان ممتاز، ولكنه في رحاب الأدب أعظم شأناً وأرفع مكاناً عند الذين يقيمون الميزان لحقيقة هذا السياسي الأديب، ومع ذلك فلم تستطع السياسة أن تشغله عن ميدانه الذي أخرج فيه كتابين من أنفس وأعمق ما ظهر في الأدب الفرنسي المعاصر، وأعني بهما كتابيه عن (بتهوفن) و (مدام ريكامييه)!
هذه تحية أبعث بها إلى راجي الراعي على صفحات الرسالة. . ولعله يلبي دعاء الأدب يوماً فيعود إلى ميدانه، لأن مجاله هنا كما أعتقد وليس هناك! وفي العدد المقبل أقدم بعض كلماته وتحليقاته.
رسالة لطفي السيد إلى الشباب:
لطفي السيد أستاذ الأساتذة في هذا الجيل، وهو واحد من هذه القلة التي تزن القول حين تطلقه، وتزن الرأي حين تنادي به وما أجدر الشباب حين يتحدث هذا الرجل أن ينصتوا إليه، وأن يتدبروا كلماته، وأن يتخذوا من نصائحه وخبرته وتجاربه ما يشحذ هممهم، ويقوي عزائمهم، ويسدد خطاهم، في هذا الطريق الطويل الذي تتجإذبهم فيه عواطف الشباب ونزواته!
يقول لطفي السيد في رسالته التي حملتها (الأهرام) منذ أيام إلى ناشئة البلاد من طلاب الجامعة: إن التعليم الجامعي أساسه حرية الفكر، والتربية الجامعية قوامها حرية العمل، ورسالة الجامعة هي أعداد الطلاب لخدمة وطنهم في جميع نواحي الخدمة العامة من سياسية واجتماعية وفنية. ثم يقول لطفي السيد بعد أن تناول هذه الأهداف بالشرح والتفصيل (هذه هي رسالة الجامعة فيما أعتقد أنه المثل الأعلى للجامعات. فإن يكن انصراف عن الجادة المثلى وميل عن سواء السبيل، فمرجع هذه الحال في تقديري إلى اتصال الأحزاب السياسية بالطلبة وصرفهم عن واجبهم العلمي إلى الاشتغال بالسياسة العملية. أنا لا أكره أن يشتغل الشبان بالسياسة على اعتبار أنها موضوع نظري يدرس وتناقش مذاهبه المختلفة القديم منها والحديث. أما السياسة العملية فقد حذرت الشبان دائماً من الإسلاس لقيادة القائمين بها من الأحزاب والهيئات إذ كنت أرى ولا أفتأ أقول: إن السياسة إذا تدخلت في التعليم أفسدته، ولا علم على الوجه الصحيح إلا إذا تفرغ الطالب له وتجرد عن كل غرض سواه)!