آخر، حتى ولا هذا الشعر اليوناني الذي أقيم على أركانه بناء التمثيلية اليونانية!
وفي موضع ثالث ينتقل الأستاذ الحكيم إلى مقدمة (كرومويل) لفكتور هوجو، وهي المقدمة التي يقسم فيها تاريخ البشرية إلى عهود ثلاثة: العهد الفطري وهو عهد الشعر الغنائي، والعهد القديم وهو عهد الملحمة، والعهد الحديث وهو عهد التمثيلية. . . هذه النظرية التي ينادي هوجو بإمكان تطبيقها على أدب كل أمة من الأمم، يرى الأستاذ الحكيم أنها تصلح للتطبيق على الأدب العربي (إذا ما تغاضينا عن (القوالب) واقتصرنا في بحثنا على (الأغراض)؛ ففي العصر العباسي وحده نجد البحتري قبل المتنبي، والمتنبي قبل أبي العلاء، ولو غرس هؤلاء الشعراء في أرض اليونان، لكان البحتري (صناجة العرب) هو (بندار)، ولكان المتنبي الذي دوي في آذاننا على مدى الأجيال بصليل السيوف هو (هومير)، ولكان أبو العلاء الذي صور لنا التفكير في الإنسان ومصيره والملأ الأعلى هو (إشيل). . . فالتطور إذن من حيث الموضوع قد تم).
يبدو لي أن الأستاذ الحكيم قد نسي أن هوجو يدعونا إلى تطبيق نظريته على أدب كل أمة من الأمم على مدار تاريخها كله، لا على مدار عصر بعينه كما فعل حين قصر التطبيق على العصر العباسي. . . إن هوجو ينسب الشعر الغنائي إلى العهد الفطري، فهل كان البحتري من العهد الفطري؟ وينسب الملحمة إلى العهد القديم، فهل كان المتنبي من العهد القديم؟ وينسب التمثيلية إلى العهد الحديث، فهل كان أبو العلاء من العهد الحديث؟!. . .
أما مسألة (القوالب والأغراض)، فأظن أنه لم يبق لها ما يبررها ما دام التطبيق قد بعد عما يهدف إليه هوجو من وراء نظريته. . .
ثم يقول الأستاذ الحكيم في موضع رابع إن فلاسفة العرب قد صبغوا آثار أفلاطون وأر سطو بلون تفكيرنا وطبعوها بطابع عقائدنا. . . في رأيي أن شيئاً من هذا لم يحدث، إن كل ما فعله فلاسفة العرب هو أنهم نظروا في الفلسفة اليونانية فنقلوا بعض ما فيها من آراء ومذاهب نقلاً يحفل بالخلط والتشويه؛ ذلك لأنهم حاولوا أن يوفقوا بين تعاليم الفلسفة اليونانية وبين تعاليم الدين الإسلامي، فكانت محاولة انتهت بأصحابها إلى الإخفاق، أما الإخفاق فمرجعه إلى بعد الشقة بين العقلية اليونانية والعقلية العربية من جهة، وبين منهج الفلسفة اليونانية ومنهج الديانة الإسلامية من جهة أخرى، ومن هنا كانت الفلسفة الإسلامية