بذكر التفصيلات التافهة فكان عليه - لذلك - أن ينظر فيما أصدروا من أحكام خطيرة هي في حاجة إلى إبداء رأيه فيها لخطرها وخطر أصحابها. فالعالم النمسوي المشهور سيجموند فرويد - وهو يهودي غير متهم - يذهب في ترجمته لموسى أنه مصري لا يهودي، ويرى غيره أن موسى مات قتيلاً لا حتف أنفه وأن اليهود هم الذين قتلوه حين ضاقوا به وبإصلاحاته، وغيره يرى أنه تعلم في (جامعة عين شمس) على أيدي كهنتها، ومنهم من يرى أن فرعون المشار إليه في التوراة والقرآن ليس ملكاً مصرياً بل أحد الحكام الصغار في أقاليمها الشمالية الشرقية، ومنهم من يرى أن بني إسرائيل لم يتوغلوا داخل حدود مصر، ولم يتجاوزوا حدود صحراء سيناء أثناء ضربهم في الأرض شرقاً وغرباً، ويستدل قائل ذلك على قوله بسكوت التاريخ القديم عن ذكر عن ذكر هؤلاء الإسرائيليين بأي اسم من أسمائهم المعروفة قديماً وحديثاً، ومن هذه الأقوال ما لا يتعارض مع نصوص القرآن ومنها ما يتعارض معها، فهل عند فضيلة المؤلف علم شاف بهذه الأحكام التي لم تصدر جزافاً، وهل عنده حجة للرد على ما يتعارض منها مع نصوص القرآن؟ أنا في انتظار الجواب، وهو أول من يدل برأيه في هذا المجال الذي اختص به وعرف فيه حتى ما ذكره الغربيون كما يدل عليه نقله عنهم، ولعل فضيلته لا يبخل علينا بالجواب، كي تتم فصول الكتاب.
والمؤلف يعلم - أو يجب أن يعلم - من دراسة الفرق الكلامية الإسلامية، أن منها من تأثروا أو دافعوا أهل نحلة تسمى (المانوية) وكنا المانويين يصدقون بنبوة عيسى ويرفضون نبوة موسى، لأسباب منها أن (الإله) كما وصفته التوراة، شيطان متوحش شرير شغوف بالخراب والفساد وإراقة الدماء، وقارئ التوراة إذا حاول أن يتبين صفات (يهوه رب الجنود) وسيرته مع (شعبه المختار) وجب أن يتصوره مخلوقاً شيطانياً لا حد لأنانيته في الحب والتدليل لشعبه المختار، وهو أعجز المخلوقات حيلة في سياستهم وسياسة خصومهم، فبينما هو راض عنهم كل الرضا إذا هو ساخط عليهم كل السخط، وهو مفرط الحقد والكراهة لأعدائهم، فهو لذلك ولأنه لا حد لقدرته ولعدم حيلته - ينزل ضرباته على هؤلاء الأعداء في إسراف وجنون وقسوة لا حد لها، وينتقم لأتفه الأسباب أبشع انتقام، وهو رغم قدرته التي لا حد لها - مخلوق (جبان) يهاب مالا يهابه إنسان له شجاعة عادية، فهو