- وأراه فتيا كان قد خطها فرعون بيده مغزاها أن العبد الذي يجحد فضل سيده جزاؤه الغرق في البحر (فناوله جبريل إياها وأطلعه عليها والماء يلجمه ويغصهن فعرف خطه وبكى حظه، ثم ندم، ولات ساعة مندم.
أرأيت تفصيلات هذه المؤامرة الصبيانية التي لا تليق بإنسان رشيد له قلب بعطف أدنى فضلاً عن إله وملائكته؟ إن شئت غيرها فأمثالها في الكتاب كثير تبلغ عشراً وعشرات.
وفي الكتاب عشرات المحالات في غير ضرورة من دين أو عقل أو ذوق، وهاك مثلاًك أرسل موسى وهو في التيه - أثنى عشر نبياً من الإسرائيليين (البواسل) إلى أرض كنعان للتجسس، فلقيهم كنعاني (وهو عوج بن عنق، وكان فاره الجسم يطاول السماء بقامته - رأى النقباء أمامه فأخذهم في كمه مع فاكهة يحملها من بستانه، وجاء بهم إلى ملكه ونثرهم بين يديه. . .) ص ١٤٩ أين خيال الكاتب الإنجليزي مؤلف قصة (جلفر) وقصوره من خيال سادتنا العلماء (الطيبين) في هذه (الإسرائيليات). لقد اشتط القصصي المسكين في خياله هازلاً فما ظفر بغير هذه البدائع (المقدسة) التي أوردها سادتنا الأبرار جادين بل مسرفين في الجد والإيمان. إن لم تكن أعجبتك هذه ففي الكتاب عشرات أمثالها. ولقد زعمت لك قبل أن المؤلف لم يكن عمله في كتابه هذا إلا الجمع، وأنا أنزل عن هذا الزعم هنا مرة واحدة لأن المؤلف استعمل هنا عقله فسكت عما تذكره الإسرائيليات عن (عوج بن عنق) وهذا فقد ذكر ما ذكرته من أنه كان (يطاول السماء بقامته) ولكنه لم يقل ما قالته من أنه - لطوله هذا - كان يمد يده فيخرج الأسماك من أقصى قيعان البحر ويرفعها أمام الشمس فيشويها في حرارته ويأكلها هنيئاً مريئاً.
والمعجزات في الكتاب أكثر من أن يحيط بها عقل، وأعجب كيف حملها الكتاب، ففي كل حركة يتحركها موسى وقومه وأعداؤه بل في كل همسة معجزة ضخمة وفي كل معجزة ضخمة أصغر منها، وإن تكن المعجزات في (إقناع) العقل سواء فلا صغيرة فيها ولا كبيرة إلا من حيث المساحة، وفي الكتاب يبدو (يهوه رب الجنود) الذي اختار (يهود) شعباً له وفضلهم على سائر خلقه - يبدو قائماً قاعداً لا يهدأ له بال ولا يقر له قرار، ولا يهتدي إلى حل مشكلات (شعبه المختار) سواء ما شجر منها بين بعض أفراده وبعض وما شجر بينهم وبين الشعوب الأخرى التي قدر للشعب المختار أن يحتك بها ويساجلها الكراهة والتمازع