للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفوجئ الناس في المساء، بإذاعة هذه المقالة من محطة الملك الخاصة، في قصر الزهور، فلما انتهى المذيع من تلاوتها، كانت مفاجأة للناس أشد وأمجد، حين سمعوا صوت الملك غازي الذي يعرفونه، يقول:

(لبيك. لبيك يا سورية!).

فكانت هذه الكلمة سحراً ماضياً جعل كل منزل في بغداد ثكنة، وكل قهوة معسكراً، وكل رجل جندياً شاكي السلاح، ينتظر الأمر بالهجوم على الجن والإنس والعفاريت لا يهاب شيئاً، ولا يخشى أحداً، ما دامت الحرب حرباً مقدسة لنصرة الشام، والقائد الملك الشاب الحبيب

وكانت حال لا توصف، ولا تصور ولا تمحو الأيام أثرها.

ودعا ناظر الثانوية المركزية في صبيحة الغد نفراً من المدرسين العراقيين والشاميين منهم كاتب المقال، وأفهمهم سراً، (ولا ضير اليوم في إذاعة هذا السر) أن الحكومة (حكومة السيد نوري السعيد) ترغب في مظاهرة احتجاجية على فرنسا، وأنه ترك لنا أمر تنظيمها، فكان ذلك أحب إلينا من خزائن المال نعطاها، وأسمى المراتب نمنحها، وخرجنا فأخذنا في عملنا.

وكان في بغداد وضواحيها عشر ثانويات، فاقتسمنا ثانوياتها العشر. ينفرد كل منا بإعداد طلاب مدرسته للمظاهرة، وتفننا في هذا الإعداد، واستبقنا فيه، وكنت امرأ أكتب ولكني لا أحسن بيتاً واحداً من الشعر، فبحثت عمن ينظم لمدرستنا نشيداً لهذا اليوم فلم أجد، فنظمت أنا أنشودة مهلهلة النسج، ضعيفة التأليف، لكنها خارجة من القلب وتقع في القلوب، ثم وضعت لها أنا. . . لحناً لفقته من ألحان الأناشيد التي كنت حفظتها قديماً ونسيها الناس، وعمدت إلى لوحات صنعناها من القماش. . . فكتبت عليها كلمات تعبر عن الحقيقة التي امتلأت بها نفوس البغداديين مثل:

(الله جعل العرب أمة واحدة فلن تفرقهم يد مخلوق)

(نحن جند الوحدة العربية، إننا سنكتبها بالدم)

(من تعدى على دمشق فقد اعتدى على بغداد)

(لبيك لبيك يا سورية، إننا آتون)

<<  <  ج:
ص:  >  >>