نشرت المقالة في أشهر جرائد بغداد، فألهبت شبابها، وشباب بغداد كونت أعصابهم من نور ومن نار، وخلقت أيديهم من الندى ومن الحديد، وملئت قلوبهم نخوة وسماحة، وأترعت شجاعة وكرماً.
فإذا حاربوا أذلوا عزيزاً ... وإذا سالموا أعزوا ذليلا
وإذا عز معشر زال يوما ... منع السيف عزهم أن يزولا
وشباب بغداد، جند العروبة حيثما كان للعروبة أرض، وحماة الحمى، وأسد الغاب. أن أطلقت رصاصة في الشام، أو في مصر، أحسوا أزيزها. وإن أشعلت فيها نار وجدوا حرها. وإن سقط شهيد كان عندهم مأتمه، وإن أصيب جريح كان في ضلوعهم ألمه. وشباب بغداد إن غضبوا الإعصار الجارف، والبحر الطاغي، والصواعق المنقضة، والموت. هل من الموت مهرب؟ وشباب بغداد أن رضوا النسيم الرخي، والربيع الطلق، والسلسبيل العذب، والحياة. هل في الوجود أحلى من الحياة؟
وعلم شباب بغداد، أن ديار الشام في خطر، وأن (حلفاءها) قد نقضوا عهدهم لها، وعادوا كما كانوا أعدائها، فأسروا كرامها وسودوا لئامها، وجرعوها من (مدنيتهم. . .) الصاب والحنظل المسموم، وأن شعب الشام قد لبس لأمة الجهاد، ونزل إلى الشوارع يجالد البارود بالحجارة، ويرد الدبابات بالخناجر، حتى سقطت الدور على أهلها فغدت لهم مقابر، وامتلأت بالأبرياء السجون، واشتد الخطب وعظم البلاء، وقل الناصر، وانقطع المدد. . .
. . . واشتعلت الحماسة في صدور شباب بغداد ناراً، ومشت هذه النار في قلوب الشعب، فلم تمض ساعات حتى صار حديث الشام حديث الناس في كل مكان، في القهوات، والطرقات، والمنازل والمدارس، ولم يعد الطلاب يصغون إلى درس، أو يستمعون إلى مدرس، أيشتغلون بالمفاضلة بين الفرزدق وجرير، وبحساب بعد القمر ومساحة سيبريه، والشام غارقة في دماء بنيها، عابقة برائحة البارود، رازحة تحت أثقال المدافع، تطؤها نعال الفرنسيين والسنغال؟. . . أيطلب الشكولاته من لا يجد الرغيف؟ أيقرأ الأشعار من تأكل بيته من حوله النار؟ إنهم يريدون أن يطيروا إلى الشام، ليطبقوا في ساحاتها ما تعلموه في دروس الفتوة من فنون القتال.