ولكن من ناحية أخرى نجد في غرب الصين حركة فكرية ناهضة تتمشى معها ثورة صناعية يقوم بهما الشباب المتعلم المثقف. وتشبه السيدة المؤلفة هذه الحركة الناشئة بحركة النهضة الأوربية (الرينسانس) وقد كان الدافع الأول عليها هو الحرب اليابانية أيضاً؛ فقد اضطرت الجامعات من جراء الغزو الياباني للصين أن تتقهقر من أماكنها في المدن الكبرى إلى المدن الصغيرة في غرب الصين تاركة وراءها كل آلاتها الفنية ومعامل الأبحاث التي كان الطلبة يتمرنون فيها، ومكتباتها الزاخرة بالكتب، وعلى ذلك كان يتعين على الطلبة أن يعتمدوا في حياتهم العلمية الجديدة على مجهوداتهم الخاصة، وقد أحدث ذلك بلا ريب انقلاباً هائلاً في طرق التعليم الجامعي ومناهجه ومادته أيضاً، وبدلاً من أن يدرس الطلبة تلك المعلومات التي كانوا يقرؤون عنها قي الكتب الأوربية، وبدلاً من أن يقوموا بتجاربهم العلمية في معاملهم المدرسية الصغيرة نزلوا إلى ميدان الحياة والواقع وذهبوا للعمل والدراسة في المصانع والمعامل والحقول، وبذلك أصبحت المناهج أقرب إلى الواقع وترمي إلى أهداف ونتائج واقعية. ولا ريب أن الصين سوف تفيد كثيراً من جراء هذه النزعة الواقعية العملية في التعليم، وسوف يساعدها ذلك إلى حد كبير على حل مشكلاتها.
إن الصين تبذل الآن بغير شك مجهودات جبارة في سبيل الاتجاه نحو مثال جديد ونحو حياة جديدة، ومع أن السيدة جالبريت تعترف بأن الصين قد أفلحت في تحقيق جانب كبير مما رسمته لنفسها إلا أنها مع ذلك تحتاط ولا تبالغ في قيمة الإصلاحات التي تمت بالفعل حتى الآن. وهي ترى أن كثيراً من الوسائل والطرق التي تتبعها الصين وسائل عقيمة وطرق غير مجدية. يضاف إلى ذلك أن كثيراً من الأعمال التي أنجزت بالفعل وقعت في أيدي الأعداء فخربوها، كما أن سكان المقاطعات الصينية التي وقعت تحت سطوة اليابانيين قد تدهوروا ورجعوا إلى حالة من الانحطاط لا تبشر بخير؛ وذلك ذل العبودية التي فرضها المنتصرون عليهم من ناحية، وبتأثير الأفيون والمخدرات الفتاكة التي كان اليابانيون يوزعونها عليهم بسخاء من ناحية أخرى. فقيام الحرب اليابانية ولو أنه كان أهم الدوافع التي دفعت الصين إلى التقدم وإلى التطلع إلى حياة أفضل من حياتهم التي حيوها آلاف السنين إلا أن الحرب كانت هي أيضاً العقبة الكؤود في سبيل استكمال تلك الحياة