الحكومة - عن طريق الجمعيات التعاونية الزراعية - على تحسين حال الفلاح ورفع مستوى المعيشة في القرى على العموم. ولكن كل تلك الجهود لم تأت حتى الآن بالثمرات المنشودة. . . ولعل ذلك يرجع أولاً وأخيراً إلى طبيعة الفلاح نفسه؛ فالفلاح الصيني - كأي فلاح آخر - محافظ بطبعه على القديم وعلى الوسائل التي اعتادها وورثها عن آبائه، فليس من الأمور السهلة الميسرة إقناع الفلاح بأن ينبذ وسائله العتيقة وأن يأخذ بتلك الوسائل والآلات الحديثة التي تحاول الجمعيات التعاونية ومدارس التدريب نشرها بين الفلاحين؛ وإن كان ذلك لا يمنع من أنه سوف يجيء اليوم - قرب أو بعد الذي تحل فيه تلك الوسائل الحديثة محل الوسائل القديمة لأربعة آلاف عام مضت.
ولكن لا يمكن للصين ولا غيرها من الأمم أن تجني ثمار ما تقوم به من الإصلاحات المختلفة وأن تصل إلى ما تبغيه لنفسها من حياة سعيدة راقية ما دام شعبها يرسف في أغلال الجهل، فكل حركة يراد بها الإصلاح، وكل تحسين يدخله المصلحون على أي مظهر من مظاهر الحياة سوف يكون عبثاً، ولن يتأصل في الدولة ما لم يتعلم الشعب أولاً؛ فمحاربة الجهل والقضاء عليه ونشر التعليم بين الناس هو أول ما ينبغي للدولة أن تأخذ نفسها به إن أرادت لنفسها رقياً. ولقد شعرت الصين بما يتهددها من جراء الجهل الفاشي بين الناس، فاتخذت وسائل كثيرة شتى للقضاء عليه، وقد أفلح بعض تلك الوسائل والبعض الآخر لم يفد شيئاً مذكوراً. ولا شك أن القضاء على الجهل في بلد واسع كثير السكان كالصين يعتبر من أشق المهام؛ ولكن الدولة بذلت مع ذلك الكثير من الجهد والمال لتحقيق تلك الغاية. ومن أشيع الوسائل المتبعة في الصين لذلك تنظيم سلسلة من الدروس القصيرة في المدن تجبر الدولة الناس على الاستماع إليها؛ إلا أن هذه الدروس القصيرة تنتهي سريعاً، وهي وإن كانت تعلم الناس بعض العلم وبعض القراءة إلا أن الكاتبة تشك في أن لها قيمة جدية لأن ما يتعلمه الإنسان سريعاً دون أن يبذل فيه جهداً كبيراً ينساه سريعاً أيضاً. . .
وفي الصين مشروع ضخم الآن يرمي إلى إنشاء مدرسة واحدة لكل جماعة تتألف من مائة عائلة، وذلك في بحر خمس سنوات؛ وسوف تقوم تلك المدارس بتعليم الصغار والكبار على السواء - ما بين الخامسة عشر والخامسة والأربعين - القراءة والكتابة. والأمل أن يفلح