إنك إذا نظرت إلى ما ثبت من كتبنا على التحريق والتخريق والتغريق والتمزيق، وما خلص إلينا مما أصاب المكتبة الإسلامية من النكبات الكبار، والأحداث الجسام، وحسبك منها مصيبتنا هولاكو وفرديناند، لرأيت شيئاً يهولك ويعجزك عَدُّه كما أعجز المطابع إلى اليوم طبع بعضه، وهي لا تني في الشرق والغرب تعمل دائبة عليه، وما علمنا لأمة من الأمم الأرض كلها مثل هذا الذخر العلمي أو قريباً منه، ولا مثل نصفه ولا ربعه. . . أفليس من أعجب العجب أن هذا التراث لا يساوي في رأى القائمين على هذه المدارس علماً واحداً من علومها كالجبر مثلاً أو الفيزياء أو. . . الرياضة البدنية، ولا يجودون عليه بسبع ساعات في الأسبوع أو ثمان. . . ولا يجعلونه مدار خيبة في البكالوريا أو نجاح، وأعجب منه أن تاريخنا الذي يتصل أشد الاتصال بالتفسير والحديث والرواية وعلم الرجال يتولى تدريسه فيها من لا بَصَرَ له بهذه العلوم ولا علم له بمصادرها الأصلية ولا وقوف له عليها، ولا قدرة له على فهمها، ومن لم يحصل إلا على أيدي الخصوم الذين يكيدون له ويدسون عليه الدسائس، فهو يحملها في فكره كما يحمل البعوض جرثومة الملاريا ليلقيها في أدمغة الطلاب الأصحاء فيفسدهم بها، حتى رئينا جماعة من غير ملتنا وديننا درسوا (في عهد الفرنسيين!) تاريخنا، أفسمعت بأعجب من تدريس الخواجة ميشيل والخواجة توما، سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر؟ وأبلغ منه في العجب أن الفرنسيين وصل بهم الأمر. . . أن بعثوا بأبنائنا يأخذون لغتنا، عن المسيو (مارسيه) في بارير، كأن بارير بادية البصرة وكأن ماريسه من فصحاء بني عقيل. . . أو كأنه الأصمعي أو الخليل!
لا رحم الله ذلك الزمان، ولا أعاد مثله علينا أبداً. . .
أما إن الحديث جد، وإنه ليس بين شبابنا وبين أتباع الإسلام إلا أن يعرفوه لأنه قوي أخاذ ما عرفه أحد على حقيقته وقدر إن كان منصفاً على مخالفته، ولكن المشكلة هنا: كيف السبيل إلى أن يعرف الشبان المسلمون ما هو الإسلام إذا كانوا لا يستطيعون النظر في كتبه ولا يعرفونها، وإذا كانوا يرون أكثر للتزيين بزي علمائه جامدة أفكارهم، يقولون بألسنتهم ما لا يحققونه بأفعالهم، يأمرون الناس بالعزة ويذلون لأهل الدنيا، ويزهدون فيها ويتسابقون إليها، ثم إنهم بعد ذلك منقطعون عن الشباب، لا يلقونهم، وأن لقوهم لم